بمثله أنه من جملة الأخيار، لا أنه أفضل من الكلّ، وبه يندفع التدافع بين الأحاديث الواردة بهذا العنوان، ثم المقصود في مثله بيان أن وصف تعلّم القرآن وتعليمه من جملة خيار الأوصاف، فالموصوف به يكون خيرًا من هذه الجملة، أو يكون خيرًا إن لم يُعارض هذا الوصف معارضٌ، فلا يَرِد أنه كثيرًا ما يكون المرء متعلّمًا، أو معلّمًا للقرآن، ويأتي بالمنكرات، فكيف يكون خيرًا؟ وقد يقال: المراد من تعلّم القرآن، وعلّمه مع مراعاته عملًا، وإلا فغير المراعي يُعدّ جاهلًا. انتهى (?).

وقال في "الفتح": قوله: "وعلّمه" كذا للأكثر، يعني بالواو، وللسرخسي: "أو علمه "بـ "أو"، وهي للتنويع، لا للشكّ، وكذا لأحمد عن غندر، عن شعبة، وزاد في أوله: "إِنَّ"، وأكثر الرواة عن شعبة يقولونه بالواو (?).

وكذا وقع عند أحمد عن بهز، وعند أبي داود، عن حفص بن عمر، كلاهما عن شعبة، وكذا أخرجه الترمذي، من حديث عليّ -رضي الله عنه-، وهي أظهر من حيث المعنى؛ لأن التي بـ "أو" تقضي إثبات الخيرية المذكورة لمن فعل أحد الأمرين، فيلزم أنّ مَن تعلم القرآن، ولو لم يعلمه غيرَه أن يكون خيرًا ممن عَمِلَ بما فيه مثلًا، وإن لم يتعلمه.

ولا يقال: يلزم على رواية الواو أيضًا أنّ من تعلمه وعلمه غيره أن يكون أفضل ممن عَمِل بما فيه من غير أن يتعلمه، ولم يعلمه غيره؛ لأنا نقول: يحتمل أن يكون المراد بالخيرية من جهة حصول التعليم بعد العلم، والذي يُعَلِّم غيره يحصل له النفع المتعدي، بخلاف من يَعْمَل فقط، بل مِنْ أشرف العمل تعليمُ الغير، فمعلِّمُ غيره يستلزم أن يكون تعمله، وتعليمه لغيره عَمَلٌ وتحصيلُ نفعٍ مُتَعَدٍّ، ولا يقال: لو كان المعنى حصول النفع المتعدي لاشترك كل من عَلَّم غيره علمًا ما في ذلك؛ لأنا نقول: القرآن أشرف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015