عقليين، أو سمعيين، أو كان أحدهما عقليا، والآخر سمعيا، ثم بينا على صحة السمع، والسمعُ يبين صحةَ العقل، وأن من سلك أحدهما أفضى به إلى الآخر، وأن الذين يستحقون العذاب هم الذين لا يسمعون ولا يعقلون، كما قال الله تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: 44]، وقال تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا في ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 8 - 10] وقال: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا في الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي في الصُّدُورِ} [الحج: 46]، وقال تعالى: {إِنَّ في ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37].
فقد بين القرآن أن من كان يعقل، أو كان يسمع، فإنه يكون ناجيًا وسعيدًا، ويكون مؤمنًا بما جاءت به الرسل، وقد بسطت هذه الأمور في غير موضع، والله تعالى أعلم.
(فصل): وفحول النُّظّار، كأبي عبد الله الرازيّ، وأبي الحسن الآمديّ، وغيرهما، ذكروا حُجَج النفاة لحلول الحوادث، وبَيّنوا فسادها كلها، فذكروا لهم أربع حُجج:
[إحداهما]: الحجة المشهورة، وهي أنها لو قامت به، لم يخل منها، ومن أضدادها، وما لم يخل من الحوادث فهو حادث، ومنعوا المقدمة الأولى، والمقدمة الثانية، ذَكَر الرازيّ وغيره فسادها، وقد بُسط في غير هذا الموضع.
[الثانية]: أنه لو كان قابلًا لها في الأزل لكان القبول من لوازم ذاته، فكان القبول يستدعي إمكان المقبول، ووجود الحوادث في الأزل محال، وهذه أبطلوها هم بالمعارضة بالقدرة، بأنه قادر على إحداث الحوادث، والقدرة تستدعي إمكان المقدور، ووجود المقدور، وهو الحوادث في الأزل محال، وهذه الحجة باطلة من وجوه: