دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور: 35].
[فإن قيل]: أما كون الكلام والفعل يدخل في الصفات الاختيارية فظاهر، فإنه يكون بمشيئة الرب وقدرته، وأما الإرادة، والمحبة، والرضا، والغضب، ففيه نظر، فإن نفس الإرادة هي المشيئة، وهو سبحانه وتعالى إذا خلق من يحبه كالخليل، فإنه يُحبُّهُ، ويحب المؤمنين، ويحبونه، وكذلك إذا عمل الناس أعمالًا يراها، وهذا لازم لابد من ذلك، فكيف يدخل تحت الاختيار؟.
[قيل]: كل ما كان بعد عدمه، فإنما يكون بمشيئة الله وقدرته، وهو سبحانه وتعالى ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فما شاء وجب كونه، وهو تحت مشيئة الرب وقدرته، وما لم يشأ امتنع كونه مع قدرته عليه، كما قال تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة: 13]، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ} [البقرة: 253]، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام: 112]، فكون الشيء واجب الوقوع؛ لكونه قد سبق به القضاء على أنه لابد من كونه لا يمتنع أن يكون واقعًا بمشيئته وقدرته وإرادته، كان كانت من لوازم ذاته، كحياته وعلمه، فإن إرادته للمستقبلات، هي مسبوقة بإرادته للماضى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82]، وهو إنما أراد هذا الثاني بعد أن أراد قبله ما يقتضي إرادته، فكان حصول الإرادة اللاحقة بالإرادة السابقة.
والناس قد اضطربوا في مسألة إرادة الله -سبحانه وتعالى- على أقوال متعددة، ومنهم من نفاها، ورجح الرازيّ هذا في "مطالبه العالية"، لكن -ولله الحمد- نحن قررناها، وبينا فساد الشُّبَه المانعة منها، وأن ما جاء به الكتاب والسنة، هو الحق المحض الذي تدل عليه المعقولات الصريحة، وأن صريح المعقول موافق لصحيح المنقول، وكنا قد بينا أولا أنه يمتنع تعارض الأدلة القطعية، فلا يجوز أن يتعارض دليلان قطعيان، سواء كانا