خلق آخر، ويلزم التسلسل.

فأجابهم الجمهور -وكل طائفة على أصلها- فطائفة قالت: الخلق قديم، كان كان المخلوق حادثًا، كما يقول ذلك كثير من أهل المذاهب الأربعة، وعليه أكثر الحنفية، قال: هؤلاء أنتم تُسَلِّمون لنا أن الإرادة قديمة أزلية، والمراد مُحدَثٌ، فنحن نقول في الخلق ما قلتم في الإرادة.

وقالت طائفة: بل الخلق حادثٌ في ذاته، ولا يفتقر إلى خلق آخر، بل يحدث بقدرته، وأنتم تقولون: إن المخلوق يحصل بقدرته بعدَ أن لم تكن، فإن كان المنفصل يحصل بمجرد القدرة، فالمتصل به أولى، وهذا جواب كثير من الكرّامية، والهشامية، وغيرهم.

وطائفة يقولون: هَبْ أنه يفتقر إلى فعل قبله، فلم قلتم: إن ذلك ممتنع، وقولكم: هذا تسلسلٌ، فيقال: ليس هذا تسلسلًا في الفاعلين، والعلل الفاعلة، فإن هذا ممتنع باتفاق العقلاء، بل هو تسلسل في الآثار والأفعال، وهو حصول شيء بعد شيء، وهذا محل النزاع.

فالسلف يقولون: لم يزل متكلمًا إذا شاء، وقد قال تعالى: {قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا}، فكلمات الله لا نهاية لها، وهذا تسلسل جائز، كالتسلسل في المستقبل، فإن نعيم الجنة دائم، لا نفاد له، فما من شيء إلا وبعده شيء لا نهاية له.

(فصل): والأفعال نوعان: متعدّ، ولازم، فالمتعدي مثل الخلق، والإعطاء، ونحو ذلك، واللازم مثل الاستواء، والنزول، والمجيء، والإتيان، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الحديد: 4]، فذكر الفعلين: المتعدي واللازم، وكلاهما حاصل بمشيئته وقدرته، وهو متصف به، وقد بُسط هذا في غير هذا الموضع.

والمقصود هنا أن القرآن يدل على هذا الأصل في أكثر من مائة موضع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015