الصَّفَا، فيَصْعَقُون، فلا يزالون كذلك، حتّى يأتيهم جبريل، حتّى إذا جاءهم جبريل فُزِّعَ عن قلوبهم، قال: فيقولون: يا جبريل ماذا قال ربك؟ فيقول: الحقَّ، فيقولون: الحق الحق".
(الحقَّ) بالنصب، مفعولًا لفعل مقدّر يدلّ عليه السؤال، أي قال الحقّ، أي القول الحقّ، وجوّز بعضهم الرفع بتقدير قوله الحقُّ، والأول هو الظّاهر، قيل: القولُ يجوز أن يراد به كلمة "كن"، وأن يراد به الحقّ مقابل الباطل، والمراد ما يقضيه الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- من الحوادث اليوميّة، بأن يغفر ذنبًا، ويفرّج كربًا، ويرفع قومًا، ويضع آخرين، ويعزّ ذليلًا، ويذلّ جبّارًا، وهكذا ({وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ}) [سبأ:123]) أي ذو العلّوّ والكبرياء - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - (فَيَسْمَعُهَا) أي الكلمة الّتي تكلَّم بها الحقّ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - (مُسْتَرِقُو السَّمْعِ) أي الشّياطين الذين يسرقون الكلام من الملائكة، و"الاستراق" افتعال، من السّرقة، يقال: استرق السمع: إذا سمعه مستخفيًا، كما يفعل السارق (?)، ووقع في بعض الرِّواية: "مسترق السمع" بالإفراد، وهو فصيح أيضًا (بَعْضُهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ) جملة في محلّ نصب على الحال، أي حال كونهم راكبي بعضهم فوق بعضٍ؛ لأجل أن يتمكّنوا من استراق السمع، وفي رواية البخاريّ: "فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع، هكذا بعضه فوق بعض، ووصف سفيان بكفّه، فحرّفها، وبَدَّد بين أصابعه".
قال في "الفتح": قوله: "هكذا بعضه فوق بعض وصفه سفيان"، أي ابن عيينة بكفه فحَرَفَّها، وبَدَّد بين أصابعه، أي فَرَّق، وفي رواية عليّ: "ووصف سفيان بيده، ففرّج بين أصابع يده اليمني، نصبها بعضَها فوق بعض"، وفي حديث ابن عبّاس عند ابن مردويه: "كان لكل قبيل من الجن مَقْعَدٌ من السَّماء، يسمعون منه الوحي" -يعني يلقيها- زاد عليّ عن سفيان: "حتّى ينتهي إلى الأرض فيلقي ... ".
(فَيَسْمَعُ الْمَلَائِكَةُ الْكَلِمَةَ) هكذا النسخ الهنديّة، وعليها فقوله: "يسمع" بالبناء