رواه عن محمّد بن إدريس الشّافعيّ رحمه الله، عن مالك بن أنس الأصبحي رحمه الله، عن الزّهريّ، عن عبد الرّحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "نَسَمَةُ المؤمن طائر يَعْلُقُ في شجر الجنَّة، حتّى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه".
وقوله: "يَعْلُق" أي يأكل.
وفي هذا الحديث: إن روح المؤمن تكون على شكل طائر في الجنَّة، وأما أرواح الشهداء، فكما تقدّم في حَوَاصل طير خُضْر، فهي كالكواكب بالنسبة إلى أرواح عموم المؤمنين، فإنها تطير بأنفسها، فنسأل الله الكريم المنان أن يميتنا على الإيمان.
وقوله تعالى: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران: 170] إلى آخر الآية أي الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله أحياء عند ربهم، وهم فَرِحون بما هم فيه من النعمة والْغِبْطَة، ومستبشرون بإخوانهم الذين يُقتلون بعدهم في سبيل الله أنهم يَقْدَمون عليهم، وأنهم لا يخافون ممّا أمامهم، ولا يحزنون على ما تركوه وراءهم، نسأل الله الجنَّة.
وقال محمّد بن إسحاق: {وَيَسْتَبْشِرُونَ} أي ويُسَرُّون بلحوق من لحقهم من إخوانهم على ما مضوا عليه من جهادهم، ليشركوهم فيما هم فيه من ثواب الله الّذي أعطاهم، قال السُّدّي: يؤتي الشهيد بكتاب فيه يَقْدَم عليك فلان يوم كذا وكذا، ويقدم عليك فلان يوم كذا وكذا، فيُسَرّ بذلك كما يسر أهل الدنيا بقدوم غيابهم. وقال سعيد ابن جبير: لما دخلوا الجنَّة، ورأوا ما فيها من الكرامة للشهداء.
قالوا: يا ليت إخواننا الذين في الدنيا يعلمون ما عرفناه من الكرامة، فإذا شَهِدوا القتال باشروها بأنفسهم، حتّى يُسْتَشهَدوا، فيصيبوا ما أصبنا من الخير، فأخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأمرهم، وما هم فيه من الكرامة، وأخبرهم -أي ربهم- أني قد أنزلت على نبيكم، وأخبرته بأمركم، وما أنتم فيه، فاستبشروا بذلك، فذلك قوله: {يَسْتَبْشِرُونَ