السنديّ: وضبطه بعضهم بالنصب، وكأنه مبنيّ على أنه جواب الأمر معنى؛ لما ذكرنا. انتهى (فِيكَ) أي لأجل إعلاء كلمتك (ثَانِيَةً) أي مرّةً ثانيةً (فَقَالَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ: إِنَّهُ) الضمير للشأن، أي إن الأمر والشأن (سَبَقَ مِنِّي) أي تقدّم فيما كتبته في الأزل (أَنَّهُمْ) بفتح الهمزة؛ لوقوعها موقع المصدر، كما قال في "الخلاصة":
وَهَمْزَ "إِنَّ" افْتَحْ لِسَدِّ مَصْدَرِ ... مَسَدَّهَا وِفي سِوَى ذَاكَ اكْسِرِ
(إِلَيْهَا) أي إلى الدنيا (لَا يَرْجِعُونَ) بالبناء للفاعل، من الرجوع، ويحتمل أن يكون بالبناء للمفعول، أي لا يرجعهم الله تعالى (قَالَ) عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- (يَا رَبِّ فَأَبْلِغْ) من الإبلاغ (مَنْ) بفتح الميم: موصولة: أي الذين (وَرَائِي) أي يبقون أحياء بعد قتلي، أي أبلغهم حالنا، وما صِرْنا إليه ترغيبًا لهم في الجهاد (قَالَ) -صلى الله عليه وسلم-، أو جابر -رضي الله عنه- (فَأَنزَلَ الله تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ} قرأ ابن عامر، وحمزة، وعاصم بفتح السين، والباقون بكسرها، والخطاب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو لكلّ أحد (الَّذِينَ قُتِلُوا) قرأ ابن عامر بتشديد التاء، والباقون بتخفيفها (في سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا) أي كسائر الأموات (بَلْ أَحْيَاءٌ) أي بل هم أحياء (عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي مقرّبون عنده، ذوو زُلْفَى {يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]) أي بمثل ما يُرزق سائر الأحياء، يأكلون ويشربون، وهو تأكيد لكونهم أحياء، ووصفٌ لحالهم الّتي هم عليها، من التنعّم برزق الله تعالى، قاله النسفيّ رحمه الله (?).
والحاصل أن لهم خصوصيّة، وهي أنهم يُعْطَون أجسادًا متشكّلة بطيور خُضر تسرح في الجنَّة حيث شاءت، كما يأتي في الأحاديث الآتية.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في "تفسيره" النافع -عند شرح هذه الآية: يخبر تعالى عن الشهداء بأنهم وإن قتلوا في هذه الدَّار، فإن أرواحهم حية مرزوقة في دار القرار حياةَ الشهداء. انتهى.