اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} الآية [الشورى: 51].
وأجيب بأن الآية مخصوصة في الدنيا، فلا يُتصوّر في الدنيا كلام الله تعالى مع عبده مواجهةً؛ وذلك لأن أجساد الدنيا كثيفة لا تستطيع أن تتحمّل التجلّي الإلهيّ، ولذلك لمّا تجلّى الله للجبل جعله دكّا، وخرّ موسى عليه السلام صعقًا، وأما في الآخرة فالأجساد والأرواح الأخرويّة تستطيع ذلك، أفاده بعضهم. والله تعالى أعلم بالصواب.
[تنبيه آخر]: ذكر بعضهم أن في هذا الحديث أيضًا إشكالًا آخرَ، وهو أن روح المديون محبوسة بدينه لا يُعرَج في السَّماء، كما جاء في الأحاديث، ولكن هذا محمول على ما إذا لم يترك الميِّت وفاء دينه، وكان عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر ترك لدينه وفاء، واهتمامُ جابر وانكساره كان بسبب استيفاء الدين بالتركة، ولهذا قال: استُشهِد أبي وترك عيالًا ودينًا.
ويمكن أن يُجاب بأن عدم كون روحه محبوسة؛ لأن شهادته سبب لعفو حقوق العباد، وقال الشّيخ المجدّدي رحمه الله: يُحبس روح المديون إذا لم يحصل لروحه العروج في الدنيا، فإذا حصل له العروج بالسلوك والجدية لم يحبسه شيء بعد الموت. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: هكذا كتب بعض من علّق على هذا الكتاب، وفيما كتبه نظر في أمور:
الأوّل: قوله: إن أبا جابر ترك وفاء لدينه غير صحيح، فقد ذكر جابر -رضي الله عنه- أن أباه قُتل وترك دينًا، ولم يترك وفاء، ومما يؤكد ذلك أن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- سعى في إرضاء غرمائه بأخذ ما وجدوه، فلم يرضوا، فدعى -صلى الله عليه وسلم- على البيدر، فبارك الله تعالى فيه، فأخذوا ديونهم، وبقي لعياله شيء كثير، وهذا مشهور في "الصحيحين" وغيرهما.
الثّاني: أن قوله: "لأن شهادته سبب لعفو حقوق العباد" غير صحيح؛ لأنه يخالف صريح ما أخرجه مسلم في "صحيحه" من حديث عبد الله مِن عمرو رضي الله