إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ) قال السنديّ: الظّاهر أن المراد برداء الكبرياء نفس صفة الكبرياء على أن الإضافة بيانيّة، وهذا هو الموافق لحديث: "الكبرياء ردائي" (?)، وحينئذ لا يخفى أن ظاهر هذا الحديث يفيد أنهم لا يرونه تعالى، فإنّه إذا كان رداء الكبرياء مانعًا عن نظر أهل جنّة عدن، فكيف غيرهم؟، وصفة الكبرياء من لوازم ذاته تعالى، لا يمكن زوالها عنه، فيدوم المنع بدوامها، إِلَّا أن يقال: هي مانعة عن دوام النظر، لا عن أصل النظر، على أن معنى قوله: "وبين أن ينظروا" أي وبين أن يُديموا، فلولا هي لدام نظرهم، وذلك لأن المنع من مقتضيات المعاملة بهذه الصِّفَة، وهي غير لازمة، وبهذا صارت صفة الكبرياء مانعةً عن دوام النظر، دون أصله، فليُتأمّل.
ويمكن أن يقال: المراد برداء الكبرياء هو المعاملة بمقتضاها، لا نفس صفة الكبرياء، كما هو مقتضى الإضافة؛ إذ الأصل التغاير، لا التباين، وهو المناسب بالتعبير بالرداء، بناءً على أن الرداء عادةً لا يلزم اللابس لزوم الإزار، وحينيذ، فرداء الكبرياء، وإن كان مانعًا من أصل النظر، لكنه غير لازم، فيمكن النظر، وعلى الوجهين فالحديث مسوقٌ لإفادة كمال قرب أهل جنّة عدن منه تعالى. انتهى (?).
وقال المازريّ: كان النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- يخاطب العرب بما تَفْهَم، ويُخرِج لهم الأشياء المعنوية إلى الحس؛ ليُقَرِّب تناولهم لها، فعبر عن زوال الموانع ورفعه عن الأبصار بذلك.
وقال عياض: كانت العرب تستعمل الاستعارة كثيرًا، وهو أرفع أدوات بديع فصاحتها وإيجازها، ومنه قوله تعالى: {جَنَاحَ الذُّلِّ}، فمخاطبة النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- برداء