والرضا، والغضب، والمجيء، والنّزُول، والاستواء ثابتة لله -عَزَّ وَجَلَّ- على مراد الله، ونعتقد أنَّ الله ذلك اعتقادًا جازمًا لا يتطرّق إليه شك ولا ارتياب، ونثبتها له بلا تشبيه، ولا تمثيل، ولا تعطيل، فكن على بصيرة، ولا تكن أسير التقليد، فإنّه حجة البليد، وملجأ العنيد، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

(مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ) قال ابن الأثير رحمه الله: قد تكرّر ذكر "القنوط" في الحديث، وهو أشدّ اليأس من الشيء، يقال: قَنِطَ يَقْنَط، وقَنَطَ يَقْنِطُ، فهو قانط، وقَنُوطٌ، و"القُنُوط" المصدر. انتهى (?).

وقال الفيّوميّ رحمه الله: "القُنُوط" بالضمّ: اليأس من رحمة الله تعالى، يقال: قَنِط يَقْنَطُ، من بابي ضَرَب وتَعِبَ، وهو قانطٌ، وقَنُوطٌ، وحَكَى الجوهريّ لغةٌ ثالثةٌ من باب قَعَد، ويُعَدَّى بالهمزة. قاله في "المصباح" (?).

وقال السنديّ رحمه الله: والقنوط كالجلوس: هو اليأس، ولعلّ المراد ههنا هو الحاجة والفقر، أي يرضي عنهم، ويُقبل بالإحسان إذ انظر إلى فقرهم وذِلّتهم وحَقَارتهم وضعفهم، وإلا فالقنوط من رحمته يوجب الغضب لا الرضا، قال تعالى: {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ} [الزمر: 53]، وقال: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87]، إِلَّا أن يقال ذلك هو القنوط بالنظر إلى كرمه وإحسانه، مثل أن لا يرى له كرمًا وإحسانًا، أو يرى قليلًا فيقنط كذلك، فهذا هو الكفر، والمنهيّ عنه أشدَّ النّهي، وأما القنوط بالنظر إلى أعماله وقبائحه، فهو ممّا يوجب للعبد تواضعًا وخُشوعًا وانكسارًا، فيوجب الرضا، ويَجْلُبُ الإحسانَ والإقبالَ من الله تعالى، ومنشأ هذا القنوط هو الغيبة عن صالح الأعمال، واستعظام المعاصي إلى الغاية، وكلّ منهما مطلوبٌ ومحبوبٌ، ولعلّ هذا سبب مغفرة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015