وقال الإمام ابن جرير الطبري في "تفسيره" جـ: 8 ص: 87:
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]:
يقول تعالى ذكره: وهذا الذي وصاكم به ربكم أيها الناس في هاتين الآيتين، من قوله: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 151]، وأمركم بالوفاء به، هو صراطه، يعني طريقه، ودينه الذي ارتضاه لعباده {مُستَقِيمًا} يعني قويمًا لا اعوجاج به عن الحق. {فَاتَّبِعُوهُ} يقول: فاعملوا به، واجعلوه لأنفسكم منهاجا تسلكونه. {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} يقول: ولا تسلكوا طريقا سواه، ولا تركبوا منهجا غيره، ولا تبغوا دينا خلافه، من اليهودية، والنصرانية، والمجوسية، وعبادة الأوثان، وغير ذلك من الملل، فإنها بدع وضلالات. {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} يقول: فيشتت بكم إن اتبعتم السبل المحدثة التي ليست لله بسبل، ولا طرق، ولا أديان اتباعكم عن سبيله، يعني عن طريقه ودينه الذي شرعه لكم وارتضاه، وهو الإسلام الذي وصى به الأنبياء، وأمر به الأمم قبلكم. {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} يقول تعالى ذكره: هذا الذي وصاكم به ربكم من قوله لكم: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام: 153]، وصاكم به {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} يقول: لتتقوا الله في أنفسكم، فلا تهلكوها، وتحذروا ربكم فيها فلا تسخطوه عليها، فيحل بكم نقمته وعذابه. انتهى.
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} وفي قوله: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13]، ونحو هذا في القرآن قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والتفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء