"وأنّ" في موضع نصب: أي وأَتْلُ أَنَّ هذا صراطي؛ عن الفراء والكسائي. قال الفراء: ويجوز أن يكون خفضا: أي وصاكم به، وبأن هذا صراطي، وتقديرها عند الخليل وسيبويه: ولأن هذا صراطي، كما قال: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} الآية [الجن: 18]. وقرأ الأعمش، وحمزة، والكسائي: {وإِنّ هذا} بكسر الهمزة على الاستئناف: أي الذي ذُكر في هذه الآيات صراطي مستقيمًا. وقرأ ابن أبي إسحاق، ويعقوب: "وأَنْ هذا" بالتخفيف، والمخففةُ مثل المشددة، إلا أن فيه ضمير القصة والشأن: أي وأنه هذا فهي في موضع رفع، ويجوز النصب، ويجوز أن تكون زائدة للتوكيد، كما قال عز وجل: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} الآية [يوسف: 96]، والصراط: الطريق الذي هو دين الإسلام.
(مُسْتَقِيمًا) نُصِبَ على الحال، ومعناه: مستويًا قويمًا، لا اعوجاج فيه. وقوله: (فَاتَّبِعُوهُ) أَمْرٌ من الله تعالى باتباع طريقه الذي طَرَّقه على لسان نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشَرَعَه، ونهايته الجنة، وتشعبت منه طُرُقٌ، فمن سلك الجادّة نجا، ومن خرج إلى تلك الطرق، أفضت به إلى النار، كما أشار إليه بقوله: (وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ) أي تميلُ بكم (عَنْ سَبِيلِهِ}) أي صراط الله تعالى المستقيم. وإنما وحد "سبيله"؛ لأن الحق واحد، ولهذا جمع السُّبُل؛ لتفرقها وتشعبها، كما قال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 257] (?).
وهذه السبل تعم اليهودية، والنصرانية، والمجوسية، وسائر أهل الملل، وأهل البدع والضلالات، من أهل الأهواء، والشذوذ في الفروع، وغير ذلك من أهل التعمق في الجدل، والخوض في الكلام، هذه كلها عُرْضَةٌ للزلل، ومظنة لسوء المعتقد، قاله ابن عطية. قال القرطبيّ: وهو الصحيح (?).