الصناعات، وإتمام الوظائف، والمسلم إذا حافظ عليها مع ما فيه من التثاقل والتشاغل فلأن يُحافظ على غيرها بالطريق الأولى.
4 - (ومنها): ما قاله الخطّابيّ رحمه الله: إن قوله: "فافعلوا" يدلّ على أن الرؤية قد يُرجى نيلها بالمحافظة على هاتين الصلاتين. انتهى، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرّابعة): أنه استُدلّ بهذا الحديث وبأحاديث أخرى وبالقرآن وإجماع الصّحابة -رضي الله عنهم- ومن بعدهم على إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة للمؤمنين، وقد رَوَى أحاديث الرؤية أكثرُ من عشرين صحابيّا، قال أبو القاسم: روى رؤية المؤمنين لربهم -عَزَّ وَجَلَّ- في القيامة أبو بكر، وعليّ بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل، وابن مسعود، وأبو موسى، وابن عبّاس، وابن عمر، وحُذيفة، وأبو أُمامة، وأبو هريرة، وجابر، وأنس، وعمّار بن ياسر، وزيد بن ثابت، وعبادة بن الصامت، وبُريدة بن الحُصَيب، وجُنادة بن أبي أُميّة، وفَضَالة ابن عُبيد، ورجل له صحبة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ثمّ ذكر أحاديثهم بأسانيدها، غالبها جيّد، وذكر أبو نُعيم الحافظ في "كتاب تثبيت النظر" أبا سعيد الخدريّ، وعُمارة بن رؤيبة، وأبا رزين الْعُقَيليّ، وأبا برزة، وزاد الآجريّ في "كتاب الشّريعة"، وأبو محمّد عبد الله بن محمّد المعروف بأبي الشّيخ في "كتاب السنّة الواضحة" عن عديّ بن حاتم الطائيّ بسند جيّد.
ثمّ إن الرؤية مختّصّة بالمؤمنين، ممنوعة عن الكفّار، وقيل: يراه منافقو هذه الأمّة، وهذا ضعيف، والصّحيح أن المنافقين كالكفّار باتّفاق العلماء، وعن ابن عمر وحُذيفة: "من أهل الجنّة من ينظر إلى وجهه غدوة وعشيّة".
ومنع من ذلك المعتزلة، والخوارج، وبعض المرجئة، واحتجّوا في ذلك بوجوه:
(الأوّل): قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام: 103]، وقالوا: يلزم من نفي الإدراك بالبصر نفي الرؤية.
(الثّاني): قوله تعالى: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143]، و"لن" للتأبيد بدليل قوله تعالى: {قُل لَنْ تَتَّبِعُونَا} [الفتح: 15]، وإذا ثبت في حقّ موسى عليه السلام عدم الرؤية