أُكره عليه من شرب خمر، أو أكل خنزير، فإن لم يفعل حتّى قُتل خِفْنَا أن يكون آثما؛ لأنه كالمضطر، ورَوَى خباب بن الأرت -رضي الله عنه- قال: شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلت: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال: "قد كان مَنْ قبلكم يؤخذ الرَّجل، فيُحفَر له في الأرض، فيُجعَل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيجعل نصفين، ويُمشَط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، فما يَصُدُّه ذلك عن دينه، والله لَيَتِمَّن هذا الأمرُ حتّى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إِلَّا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون" (?).
فوصفه -صلى الله عليه وسلم- هذا عن الأمم السالفة على جهة المدح لهم، والصبر على المكروه في ذات الله، وأنهم لم يكفروا في الظّاهر، وتبطنوا الإيمان ليدفعوا العذاب عن أنفسهم، وهذه حجة من آثر الضرب والقتل والهَوَان على الرُّخصة والمقام بدار الجنان.
وذكر أبو بكر محمّد بن محمّد بن الفرج البغدادي، قال: حَدَّثَنَا شريح بن يونس، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن يونس بن عبيد، عن الحسن أن عيونًا لمسيلمة أخذوا رجلين من أصحاب النّبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فذهبوا بهما إلى مسيلمة، فقال لأحدهما: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟، قال: نعم، قال: أتشهد أني رسول الله؟، قال: نعم، فَخَلَّى عنه، وقال للآخر: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟، قال: نعم، قال: وتشهد أني رسول الله؟، قال: أنا أصمّ لا أسمع، فقدمه وضرب عنقه، فجاء هذا إلى النّبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: هلكت، قال: "وما أهلكك؟ "، فذكر الحديث، قال: "أما صاحبك فأخذ بالثقة، وأما أنت فأخذت بالرخصة، على ما أنت عليه السّاعة؟ " قال: أشهد أنك رسول الله، قال: "أنت على ما أنت عليه"، ذكره القرطبيّ (?).