يُرْوَى هذا عن الحسن البصري رحمه الله، وهو قول الأوزاعي، وسحنون من المالكيّة، وقال محمّد بن الحسن: إذا قيل للأسير: اسجد لهذا الصنم، وإلا قتلتك، فقال: إن كان الصنم مقابل القبلة فليسجد، ويكون نيته لله تعالى، وإن كان لغير القبلة فلا يسجد وإن قتلوه، والصّحيح أنه يسجد، وإن كان لغير القبلة، وما أحراه بالسجود حينئذ، ففي "الصحيح" عن ابن عمر قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلّي، وهو مقبل من مكّة إلى المدينة على راحلته، حيث كان وجهه، قال: وفيه نزلت: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} الآية [البقرة: 115]، وفي رواية: ويوتر عليها، غير أنه لا يصلّي عليها المكتوبة، فإذا كان هذا مباحًا في السَّفر في حالة الأمن؛ لتعب النزول عن الدابة للتنفل، فكيف بهذا، واحتج من قَصَرَ الرُّخصة على القول بقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: ما من كلام يَدْرَأ عني سوطين من ذي سلطان إِلَّا كنت متكلما به، فَقَصَرَ الرُّخصة على القوله، ولم يذكر الفعل، وهذا لا حجة فيه؛ لأنه يحتمل أن يَجعَل للكلام مثالا، وهو يريد أن الفعل في حكمه.

وقالت طائفة: الإكراه في الفعل والقول سواء إذا أسر الإيمان، رُوِي ذلك عن عمر بن الخطّاب، ومكحول، وهو قول مالك، وطائفة من أهل العراق، رَوَى ابن القاسم عن مالك أن من أُكره على شرب الخمْرِ، وترك الصّلاة، أو الإفطار في رمضان أن الإثم عنه مرفوع، ذكره القرطبيّ.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الأرجح عندي القول الثّاني، فيجري الإكراه في الفعل كما يجري في القول؛ لوضوح حجته، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السّادسة): أجمع العلماء على أن من أُكره على الكفر فاختار القتل أنه أعظم أجرًا عند الله ممّن اختار الرُّخصة، واختلفوا فيمن أُكره على غير القتل من فعل ما لا يحل له، فقال: أصحاب مالك: الأخذ بالشدة في ذلك، واختيار القتل والضرب أفضل عند الله من الأخذ بالرخصة، ذكره ابن حبيب، وسحنون، وذكر ابن سحنون عن أهل العراق أنه إذا تُهُدّد بقتل أو قطع أو ضرب يخاف منه التلف، فله أن يفعل ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015