أما سلمان -رضي الله عنه-، فهو: سلمان أبو عبد الله، ويقال له: سلمان ابن الإسلام، وسلمان الخير، وقال ابن حِبّان من زعم أن سلمان الخير آخر فقد وَهِمَ، أصله من رَامَهُرْمُز، وقيل: من أصبهان، وكان قد سمع بأن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- سيُبعَث، فخرج في طلب ذلك، فأُسِر، وبيع بالمدينة، فاشتغل بالرِّقّ حتّى كان أول مشاهده الخندق، وشهد بَقِيّة المشاهد، وفتوح العراق، وولي المدائن، وقال ابن عبد البرّ: يقال: إنّه شهد بدرًا، وكان عالمًا زاهدًا، رَوَى عنه أنس، وكعب بن عُجْرَة، وابن عبّاس، وأبو سعيد، وغيرهم من الصّحابة، ومن التابعين أبو عثمان النَّهْدي، وطارق بن شهاب، وسعيد بن وهب، وآخرون بعدهم.
قيل: كان اسمه ما به -بكسر الموحدة- ابن بود، قاله ابن منده بسنده، وساق له نسبًا، وقيل: اسمه بهبود، ويقال: إنّه أدرك عيسى ابن مريم، وقيل: بل أدرك وَصِيّ عيسى عليه السلام. ورُويت قصته من طرق كثيرة، من أصحها ما أخرجه أحمد من حديثه نفسه، وأخرجها الحاكم من وجه آخر عنه أيضًا، وأخرجه الحاكم من حديث بريدة، وعلق البخاريّ طرفًا منها، وفي سياق قصته في إسلامه اختلاف يَتَعَسّر الجمع فيه، ورَوَى البخاريّ في "صحيحه" عن سلمان أنه تداوله بضعة عشر سيدًا، قال الذهبي: وجدت الأقوال في سِنِّهِ كلها دالةً على أنه جاوز المائتين وخمسين، والاختلاف إنّما هو في الزائد، قال: ثمّ رجعت عن ذلك، وظهر لي أنه ما زاد على الثمانين.
قال الحافظ: لم يذكر مستنده في ذلك، وأظنه أخذه من شهود سلمان الفتوح بعد النّبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وتزوجه امرأة من كِندَة، وغير ذلك ممّا يدلُّ على بقاء بعض النشاط، لكن إن ثبت ما ذكروه يكون ذلك من خوارق العادات في حقه، وما المانع من ذلك، فقد رَوَى أبو الشّيخ في "طبقات الأصبهانيين" من طريق العباس بن يزيد، قال: أهلُ العلم يقولون: عاش سلمان ثلاثمائة وخمسين سنة، فأمّا مائتان وخمسون فلا يشكون فيها، قال أبو ربيعة الإيادي عن أبي بُريدة، عن أبيه، أن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله يحب من أصحابي