فقالوا: ابعَث معنا رجلًا يُعَلِّمنا السنة والإسلام، فأخذ بيد أبي عبيدة، وقال: "هذا أمين هذه الأمة"، فإن كان الراوي تَجَوّز عن أهل نَجْران بقوله: أهل اليمن؛ لقرب نجران من اليمن، وإلا فهما واقعتان، والأول أرجح. قاله في "الفتح" (?).
(سَأَبْعَثُ مَعَكُمْ رَجُلًا أَمِينًا) قال القرطبيّ رحمه الله: الأمانة ضدّ الخيانة، وهي عبارة عن قوّة الرَّجل على القيام بحفظ ما يوكَلُ إلى حفظه، ويُخلَّى بينه وبينه، وهي مأخوذة من قولهم: ناقة أَمُون، أي قويّة على الحمل والسير، فكأن الأمين هو الّذي يوثق به في حفظ ما يُوكَلُ إلى أمانته حتّى يؤدّيه لقوّته على ذلك. انتهى (حَقَّ أَمِينٍ) بنصب "حقّ" على أنه مصدر مضاف، وهو في موضع الصِّفَة، تقديره أمينًا محَقَّقًا في أمانته. قاله القرطبيّ (?)، وقال غيره: أي بلغ في الأمانة الغاية القصوى، قيل: الأمانة كانت مشتركة بينه وبين غيره من الصّحابة، لكن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- خصّ بعضهم بصفات غلبت عليه، وكان أخصّ بها، وقيل: خصّه بالأمانة؛ لكمال هذه الصِّفَة فيه.
قاله السنديّ (?) (قَالَ: فَتَشَرَّفَ) أي انتصب، وفي نسخة: "فتشوّف" بالواو: أي انتظر (لَهُ) أي للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وفي نسخة: "لها" أي للولاية، وقوله: (النَّاسُ) بالرفع على الفاعليّة، يعني أنهم تطلّعوا عليها، ورغِبوا فيها، حرصًا أن يكونوا أمناء، لا أن يكونوا أمراء، ومنه "لا تتشرفوا للبلاء": أي لا تتطلّعوا إليه، ولا تتوقّعوه. أفاده في "المجمع" (?) وفي رواية للبخاريّ: "فأشرف أصحابه"، وفي رواية مسلم والإسماعيلي: "فاستشرف لها أصحاب رسول الله" -صلى الله عليه وسلم-، قال في "الفتح": أي تَطَلّعوا للولاية، ورغبوا فيها حرصًا على تحصيل الصِّفَة المذكورة، وهي الأمانة، لا على الولاية من حيث هي. انتهى.