وغالبين لهم، كما قال في الحديث الآخر: "يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوّهم ... " الحديث (لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلهُمْ) أي ترك نُصرتهم، وإعانتهم، يقال: خذلته، من باب قتل: إذا تركت نصرته، وإعانته، وتأخّرت عنه، والاسم الخذلان، وخذّلته بالتشديد تخذيلًا: حملته على الفشل، وترك القتال. قاله الفيّومي (حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ) أي إلى أن تقرب الساعة بإتيان العلامة، وهي الريح التي تقبض روح كلّ مؤمن ومؤمنة، فقد أخرج مسلم رحمه الله تعالى في "صحيحه" من حديث عبد الرحمن بن شِمَاسة المهْريّ، أنه قال: كنت عند مَسْلَمَةَ بن مُخَلَّد، وعنده عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال عبد الله: لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، هم شر من أهل الجاهليّة، لا يَدْعُون الله بشيء، إلا ردّه عليهم، فبينما هم على ذلك أقبل عقبة بن عامر، فقال له مسلمة: يا عقبة اسمع ما يقول عبد الله، فقال عقبة: هو أعلم، وأما أنا فسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تزال عصابة من أمتي، يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم، حتى تأتيهم الساعة، وهم على ذلك"، فقال عبد الله: أَجَلْ: "ثم يبعث الله ريحا كريح المسك، مَسُّها مَسُّ الحرير، فلا تترك نفسا في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس، عليهم تقوم الساعة".
وفي رواية البخاريّ: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله، وهم ظاهرون" قال في "الفتح": قوله: "حتى يأتيهم أمر الله، وهم ظاهرون": أي على من خالفهم، أي غالبون، أو المراد بالظهور أنهم غير مستترين، بل مشهورون، والأول أولى، وقد وقع عند مسلم من حديث جابر بن سمرة: "لن يبرح هذا الدين قائما تقاتل عليه عصابة من المسلمين، حتى تقوم الساعة"، وله في حديث عقبة بن عامر: "لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم، حتى تأتيهم الساعة". والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.