عمر فلان مائة مثلًا إن وصل رحمه، وستون إن قطعها، وقد سبق في علم الله أنه يَصِلُ، أو يقطع فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر، والذي في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39] فالمحو بوالإثبات النسبة لما في علم الملك، وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله تعالى، فلا محو فيه البتة، ويقال له: القضاء المبرم، ويقال للأول: القضاء المعَلَّق، والوجه الأول أليق بلفظ حديث الباب، -يعني حديث البخاري- فإن الأثر ما يتبع الشيء، فإذا أُخِّر حَسُن أن يحمل على الذكر الحسن بعد فقد المذكور. وقال الطيبي: الوجه الأول أظهر، وإليه يشير كلام صاحب "الفائق"، قال: ويجوز أن يكون المعنى: أن الله يُبْقِي أثر واصل الرحم في الدنيا طويلًا، فلا يَضْمَحِلّ سريعًا كما يضمحل أثر قاطع الرحم، ولما أنشد أبو تَمّام قوله في بعض المراثي:

تُوُفِّيَتِ الآمَالُ بَعْدَ مُحَمَّدٍ ... وَأَصْبَحَ في شُغْلٍ عَنِ السَّفَرِ السَّفْرُ

قال له أبو دُلَف: لم يمت من قيل فيه هذا الشعر. ومن هذه المادة قول الخليل عليه السلام: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ في الْآخِرِينَ} [الشعراء: 84].

وقد ورد في تفسيره وجه ثالث، فأخرج الطبراني في "الصغير" بسند ضعيف، عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: ذكر عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مَنْ وَصَلَ رحمه أُنسىء له في أجله، فقال: "إنه ليس زيادة في عمره، قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} الآية [النحل: 61]، ولكن الرجل تكون له الذرية الصالحة، يدعون له من بعده، وله في "الكبير" من حديث أبي مشجعة الجهني رفعه: "إن الله لا يؤخر نفسًا إذا جاء أجلها، وإنما زيادة العمر ذرية صالحة ... " الحديث.

وجزم ابن فورك بأن المراد بزيادة العمر نفي الآفات عن صاحب البر، في فهمه وعقله. وقال غيره: في أعم من ذلك، وفي وجود البركة في رزقه وعلمه، ونحو ذلك.

انتهى ما في "الفتح" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015