قال الراغب: الموت أحد الأسباب الموصلة إلى النعيم، فهو وإن كان في الظاهر فناءً واضمحلالًا، لكن في الحقيقة ولادة ثانية، وهو باب من أبواب الجنة، منه يُتوصّل إليها، ولو لم يكن لم تكن الجنة من الله تعالى على الإنسان، فقال: {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: 2] قدّم الموت على الحياة تنبيهًا على أنه يُتوصّل منه إلى الحياة الحقيقيّة، وعدّه علينا من الآلاء في قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26]، ونبّه الله تعالى بعد قوله: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:14 - 16] على أن هذه التغييرات لخلق أحسن، فنقض هذه البنية لإعادتها على وجه أشرف، كالنوى المزروع الذي لا يصير نخلًا مثمرًا إلا بعد فساد حبتها، وكذلك البرّ إن أردنا أن نجعله زيادة في أجسادنا نحتاج إلى أن يُطحن، ويُعجن، ويُطبخ، ونأكل، فهذه تغييرات كثيرة، هي فساد في الظاهر، وكذلك البذر إذا أُلقي في الأرض يعدّه من لا يتصوّر حاله فسادًا، فالنفس لا تحبّ البقاء في هذه الدار إلا إذا كانت قذرة راضيةً بالأعراض الدنيئة، رضا الجُعْل بالحشّ، أو تكون جاهلةً نجاتها في المآل. انتهى كلام الطيبيّ رحمه الله. وهو بحث مفيدٌ جدًّا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث عليّ -رضي الله عنه- هذا صحيح.
[فإن قلت]: كيف يصحّ، وفي سنده شريك بن عبد الله النخعيّ، وهو متكلّم فيه؟.
[قلت]: لم ينفرد به شريك، بل تابعه عليه شعبة، عند الترمذيّ، فقد أخرجه في "الجامع" من طريقه، ونصّه: