قوله: "خيبتنا" بالخاء المعجمة، ثم الموحدة، من الخيبة، فالمراد به الحرمان، وقيل: هي كـ "أغويتنا" من إطلاق الكل على البعض، والمراد من يجوز منه وقوع المعصية، ولا مانع من حمله على عمومه، والمعنى أنه لو استمر على ترك الأكل من الشجرة، لم يخرج منها، ولو استمر فيها لوُلِد له فيها، وكان ولده سكان الجنة على الدوام، فلما وقع الإخراج، فات أهلَ الطاعة من ولده استمرار الدوام في الجنة، وإن كانوا إليها ينتقلون، وفات أهل المعصية تأخر الكون في الجنة مدة الدنيا، وما شاء الله من مدة العذاب في الآخرة، إما مؤقتا في حق الموحدين، وإما مستمرا في حق الكفار، فهو حرمان نسبي.
(فَقَالَ لَهُ آدَمُ: يَا مُوسَى اصْطَفَاكَ اللَّه بِكَلَامِهِ، وَخَطَّ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ) وفي رواية: "أنت موسى الذي أعطاك الله علم كل شيء، واصطفاك على الناس برسالته"، وزاد في رواية: "وقرّبك نجيا، وأعطاك الألواح فيها بيان كل شيء"، وفي رواية: "اصطفاك الله برسالته، واصطفاك لنفسه، وأنزل عليك التوراة"، ووقع في رواية "فقال: نعم"، وفي حديث عمر: قال: أنا موسى، قال: نبي بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: أنت الذي كلمك الله من وراء حجاب، ولم يجعل بينك وبينه رسولًا من خلقه؟ قال: نعم".
(أتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ، قَدَّرَهُ اللَّه عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً) قال في "الفتح": وفي رواية يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة: "فكيف تلومني على أمر كتبه الله، أو قدره الله عليّ؟ "، ولم يذكر المدة، وثبت ذكرها في رواية طاوس، وفي رواية محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، ولفظه: "فكم تَجِد في التوراة أنه كتب عليّ العمل الذي عملته قبل أن أُخلَق؟ قال: بأربعين سنة، قاك: فكيف تلومني عليه؟، وفي رواية يزيد بن هرمز نحوه، وزاد: "فهل وجدت فيها: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 20]؟ قال: نعم.
وكلام ابن عبد البر قد يوهم تفرُّد ابن عيينة عن أبي الزناد بزيادتها، لكنه بالنسبة لأبي الزناد، وإلا فقد ذَكَرَ التقييد ابن عيينة كما ترى، وفي رواية الزهري، عن أبي سلمة عند أحمد: "فهل وجدت فيها -يعني الألواح، أو التوراة- أني أهبط؟ "، وفي رواية الشعبي: "أفليس تجد فيما أنزل الله عليك أنه سيخرجني منها قبل أن يدخلينها؟ قال: