ومن وراء ذلك حكم الله تعالى فيهم، وهو الحكيم الخبير: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23].

واطلب نظير ذلك من أمرين: الرزق المقسوم مع الأمر بالكسب، والأجل المضروب مع المعالجة بالطبّ، فإنك تجد المعتبر فيهما علّة موجبة، والظاهر البادي سببًا مُخيّلا، وقد اصطلح الناس خواصهم وعوامهم على أن الظاهر منها لا يُترك بالباطن. انتهى (?).

وقال الخطابيّ في "معالم السنن": هذا الحديث إذا تأملته أصبت منه مما يتخالج في الضمير من أمر القدر، وذلك أن القائل: "أفلا نتكل، وندع العمل" لم يترك شيئًا مما يَدخُل في أبواب المطالبات والأسئلة الواقعة في التجويز والتعديل إلا وقد طالب به، وسأل عنه، فأعلمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن القياس في هذا الباب متروك، والمطالبة عليه ساقطة، وأنه لا يشبه الأمور المعلومة التي قد عُقلت معانيها، وجَرَت معاملات البشر فيما بينهم عليها، وأخبر أنه إنما أمرهم بالعمل ليكون أمارة في الحال العاجلة لما يصيرون إليه في الحال الآجلة، فمن تيسّر له العمل الصالح كان مأمولًا له الفوز، ومن تيسّر له العمل الخبيث كان مخوفًا عليه الهلاك.

وهذه أمارات من جهة العلم الظاهر، وليست بموجبات، فإن الله سبحانه وتعالى طَوَى علم الغيب عن خلقه، وحجبهم عن دَرْكه، كما أخفى عنهم أمر الساعة، فلا يَعلَم أحد متى إِبّانُ قيامها، ثم أخبر على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- بعض أماراتها وأشراطها، فقال: "من أشراط الساعة أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان"، ومنها كيت وكيت. انتهى كلام الخطابيّ ببعض تصرّف (?).

وقال غيره وجه الانفصال عن شبهة القدرية أن الله أمرنا بالعمل، فوجب علينا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015