لأصحابه من الحكم المذكورة، ومناسبته للقصة أن فيه إشارةً إلى التسلية عن الميت بأنه مات بفراغ أجله.
3 - (ومنها): أن هذا الحديث أصل لأهل السنة في أن السعادة والشقاء بتقدير الله القديم.
4 - (ومنها): أن فيه رَدًّا على الجبرية؛ لأن التيسير ضد الجبر؛ لان الجبر لا يكون إلا عن كره، ولا يأتي الإنسان الشيء بطريق التيسير إلا كاره له.
5 - (ومنها): أن أفعال العباد، وإن صدرت عنهم، لكنها قد سبق علم الله بوقوعها بتقديره، ففيها بطلان قول القدرية صريحًا.
6 - (ومنها): أنه استُدِلَّ به على إمكان معرفة الشقي من السعيد في الدنيا، كمن اشتَهَر له لسان صدق وعكسه؛ لأن العمل أمارة على الجزاء على ظاهر هذا الخبر.
ورُدَّ بما تقدم في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-، وأن هذا العمل الظاهر قد ينقلب لعكسه على وفق ما قُدَّرَ.
والحق أن العمل علامةٌ وأمارةٌ، فيحكم بظاهر الأمر، وأمرُ الباطن إلى الله تعالى.
قال الطيبيّ نقلًا عن الخطابي: إن قول الصحابيّ هذا مطالبة بأمر يوجب تعطيل العبوديّة، فلم يُرخّص -صلى الله عليه وسلم- له، وذلك أن إخبار الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن سابق الكتاب، إخبار عن غيب علم الله تعالى فيهم، وهو حجة عليهم، فرام القوم أن يتخذوه حجة لأنفسهم في ترك العمل، فأعلمهم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن هنا أمرين محُكَمين، أحدهما لا يُبْطِلُ الآخر، باطن، وهو الحكمة الموجبة في حكم الربوبية، وظاهر، وهو السمة اللازمة في حق العبودية، وهو أمارة ومُخَيَّلةٌ، غير مفيدة حقيقة العلم، ويشبه أن يكون -والله أعلم- إنما عوملوا بهذه المعاملة، وتُعُبِّدوا بهذا التعبّد؛ ليتعلّق خوفهم ورجاؤهم بالباطن، وذلك من صفة الإيمان، وبَيَّنَ -صلى الله عليه وسلم- لهم أن كلا ميسر لما خُلق له، وأن عمله في العاجل دليلُ مصيره في الآجل، وتلا قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}، {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} [الليل: 5 - 8] وهذه الأمور في حكم الظاهر،