بما أُمرتم به، وإياكم والتصرّف في الأمور الإلهيّة؛ لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، فلا تجعلوا العبادة وتركها سببا مستقلا لدخول الجنة والنار، بل هي أمارات وعلامات لها، ولا بدّ في الإيجاب من لطف الله وكرمه أو خذلانه، كما ورد: "لن يدخل أحدكم عمله الجنة"، والفاء في {فَسَنُيَسِّرُهُ} تُفصح عن هذه المقدّرات. انتهى كلام الطيبيّ (?).
(ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى}) أي حقوق ماله {وَاتَّقَى} أي ربه، فاجتنب محارمه، وقيل: اتقى البخلَ {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} أي بالملة الحسنى، وهي ملة الإسلام، أو بالمثوبة الحسنى، وهي الجنة، أو بالكلمة الحسنى، وهي لا إله إلا الله {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} أي نهيّئه، ونُهَوّن عليه الخَلّة اليسرى، وهي العمل الصالح، والخير الراجح. وقيل: الجنّة {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ} أي بماله، وقيل: بحقّ الله، وهو قريب مما قبله {وَاسْتَغْنَى} عن ربّه، فلم يتّقه، أو استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم العقبى {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} أي بالإسلام، أو الجنة {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} أي للْخَلَّة المؤدّية إلى النار، فتكون الطاعة أعسر شيء عليه، وأشدّ، أو سَمّى طريق الخير باليسرى؛ لأن عاقبتها اليسر، وطريق الشرّ بالعسرى؛ لأن عاقبتها العسر، أو أراد بهما طريق الجنة والنار (?).
وزاد في البزار بعد أن ساق الآيات: "فقال القوم بعضهم لبعض: فالجِدّ إذًا"، وأخرجه الطبراني في آخر حديث سراقة، ولفظه: "فقال: يا رسول الله ففيم العمل؟ قال: كل ميسر لعمله، قال: الآن الجدّ، الآن الجدّ"، وفي آخر حديث عمر عند الفريابي: "فقال عمر: ففيم العمل إذا؟، قال: كلٌّ لا يُنال إلا بالعمل، قال عمر: إذًا نجتهد"، وأخرج الفريابي بسند صحيح إلى بُشير بن كعب أحد كبار التابعين قال: "سأل غلامان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيم العمل، فيما جَفّت به الأقلام، وجرت به المقادير، أم شيء نَستأنفه؟