والبزار، والطبراني من حديث أبي بكر الصديق، قلت: يا رسول الله، نعمل على ما فُرغ منه ... الحديث نحوه، ووقع في حديث سعد بن أبي وقاص، فقال رجل من الأنصار.
والجمع بين هذه الروايات أن يُحمل على تعدد السائلين عن ذلك، فقد وقع في حديث عبد الله بن عمرو أن السائل عن ذلك جماعة، ولفظه: فقال أصحابه: ففيم العمل إن كان قد فُرغ منه؟ فقال: "سَدِّدُوا، وقاربوا، فإن صاحب الجنة يُختَم له بعمل أهل الجنة، وإن عَمِلَ أيَّ عملٍ ... " الحديث. أخرجه الفريابيّ. ذكره في "الفتح" (?).
(أَفَلَا نَتَّكِلُ؟) أي أفلا نعتمد على ما كُتب لنا في الأزل، ونترك العمل؟ يعني أنه إذا سبق القضاء لكل واحد منّا بالجنة أو النار، فأيّ فائدة في السعي، فإنه لا يردّ قضاء الله وقدره.
وقال في "الفتح": الفاء مُعَقِّبةٌ لشيء محذوف تقديره: فإذا كان كذلك، أفلا نتكل، وفي رواية للبخاريّ: "ألا نتكل يا رسول الله"، وفي رواية: "أفلا نتكل على كتابنا، وندع العمل": أي نعتمد على ما قُدِّر علينا، وزاد في رواية: "فمن كان منا من أهل السعادة، فيصير إلى عمل السعادة، ومن كان منا من أهل الشقاوة مثله".
وقال السنديّ رحمه الله في "شرحه": قوله: "أفلا نتكل": ما حاصله: أي إذا كان العمل لا يردّ القضاء والقدر السابق، فلا فائدة فيه، فنبّه بالجواب عنه أن الله تعالى دبّر الأشياء على ما أراد، وربط بعضها ببعض، وجعلها أسبابًا ومسبّبات، ومن قدّره من أهل الجنّة قدّر له ما يُقرّبه إليها من الأعمال، ووفقه لذلك، بإقداره، ويُمكّنه منه، ويُحرّضه عليه بالترغيب والترهيب، ومن قدّر أنه من أهل النار قدّر له خلاف ذلك، وخذَلَهُ حتى اتّبع هواه، وترك أمر مولاه.
والحاصل أنه جعل الأعمال طريقًا إلى نيل ما قدّره له من جنة أو نار، فلا بدّ من المشي في الطريق، وبواسطة التقدير السابق يتيسّر ذلك المشي لكلٍّ في طريقه، ويَسهلُ