دافعةٌ للمعلومِ القطعيّةِ التَّعيينيّة، فتكونُ باطلةً سوفسطائيَّةً، فهذا بيّن بطلانها في النَّظر، وإذا سلكْتَ مسلكَ المناظَرةِ تقولُ للمنازعِ: ما كانَ جوابُكَ عَنْ إثباتِ موجودين، أحدهما واجبٌ والآخرُ ممكنٌ؛ كانَ جوابًا لمعارِضكَ عَنْ إثباتِ واجبَي الوجودِ. وإذا كانتْ هذهِ الحُجّةُ التي استدلُّوا بها على توحيدِهم تستلزمُ نفيَ واجبِ الوجودِ؛ علِمَ أنَّ توحيدَهم يَستلزِمُ نفيَ واجبِ الوجودِ كما ذكرْنا في صدرِ الجوابِ، وأنَّهم أثبَتوا واجبَ الوجود، ثمَّ جعلُوا لهُ لوازمَ تستلزمُ عدمَهُ.
وأيضًا فهذهِ الحُجّةُ بعَينِها تستلزمُ بطلانَ القولِ بموجودينِ: أحدهما واجبٌ بنفسِهِ والآخرُ واجبٌ بغيرِهِ.
ومِنَ المعلومِ الذي يُسلِّمونَهُ، وقد قامَ عليهِ البرهانُ، أنَّهُ لا بدَّ في الوجودِ مِنْ موجودٍ واجبٍ بنفسِه، وموجودٍ واجبٍ بغيرِه، فإِنَّ الوجودَ يستلزمُ موجودًا بنفسِه، وهذهِ الحوادثُ واجبةٌ بغيرِها؛ فإنَّ السَّببَ التّامَّ لها إنْ لم يوجَدِ امتنعَ وجودُها، وعندَ وجودِ السَّببِ العامِّ يمتنعُ عدمُها؛ إذِ العِلّةُ التَّامَّةُ لا يتخلَّفُ عنها معلولُها، وهذا مبرهَنٌ، وهُم يُسلَمونَهُ، بَلْ هوَ مِنْ أجودِ كلامِهم، وإذا كانَ كذلكَ فنقولُ: هذانِ الموجودانِ الواجبانِ اللَّذانِ أحدُهما بنفسِهِ والآخرُ بغيرِهِ قدِ اشترَكا في مُسمَّى الوجوب، وامتازَ كُلٌّ منهُما عَنِ الآخرِ بأنَّ هذا واجبٌ بنفسِه، وهذا بغيرِهِ؛ فقَدِ اتَّفَقا في شيءٍ، واختلَفا في شيءٍ، وتعادُ التَّقسيماتُ الأربعُ كما ذكرُوها، فإنْ قيلَ: إنَّ المشترَكَ لازمٌ للمميَّزِ كانَ المميَّزُ، وهوَ كونُهُ واجبًا بنفسِهِ أو بغيرِهِ علّةً للوجوب، والعِلّةُ متقدِّمةٌ على المعلولِ بالوجوب، فيلزمُ أنْ يكونَ وجوبٌ بنفسِهِ أو بغيرِهِ موجودًا قبلَ