الواحدةَ لا يَلزَمُها أُمورٌ مختلفةُ، وهذا بيِّنٌ؛ فإنَّ الوجودَ لا يقتضي بنفسِهِ وجوبًا وإمكانًا، والحيوانيّةُ لا تقتضي لذاتِها نُطقًا وصَهيلًا، ولو كانَ كذلكَ لكانَ حيثُ كانَ وجودٌ كانَ وجوبٌ وإمكانٌ، فيكونُ الوجودُ الواحدُ واجبًا وممكنًا، والواجبُ لا يقبلُ العدَمَ، والممكنُ يقبَلُ العدَمَ، فيلزمُ الجمعُ بينَ النَّقيضَينِ.
وأمّا القسمُ الثّالثُ: وهوَ أنْ يكونَ المشترَكُ عارضًا للمميَّز، فيلزمُ مِنْ ذلكَ أنْ يكونَ وجودُ واجبِ الوجودِ عارضًا لهُ، لا ذاتيًّا، فلا بدَّ أنْ يكونَ هنا ما يعرضُ لهُ الوجودُ الواجبُ، وإذا بَطَلَ القولُ يكونُ وجودُهُ لازمًا لغيرِه، فلأنْ يبطُلَ كونُهُ عارضًا لغيرِهِ بطريقِ الأَولى والأحرى فإنَّ هذا فيهِ مفسدةٌ أُخرى، وهوَ أنَّ العارضَ للحقيقةِ لا تكونُ كافيةً في حصولِه، بَل يتوقَّفُ حصولُهُ على سببٍ منفصلٍ مِنَ الحقيقة، فيلزمُ أنْ يكونَ وجودُهُ معلولًا لغيرِهِ متوقِّفًا على غيرِ ذاتِه، وهذا قولٌ بأنَّ وجودَهُ ممكنٌ لا واجبٌ.
وأمّا القِسمُ الرّابعُ: وهوَ أنْ يكونَ المميَّزُ عارضًا للمشترَك، فيكونُ وجوبُ واجبِ الوجودِ عارضًا لوجودِه، لا ذاتيًّا لهُ، والعارضُ للحقيقةِ لا تكونُ هيَ سببَ وجودِه، بَلْ يتوقَّفُ حصولُهُ على سببِ منفصلٍ، فيكونُ وجوبُ واجبِ الوجودِ متوقِّفًا على غيرِه، فما لم يكُنْ غيرُهُ لا يكونُ لهُ وجوبٌ، فلا يكونُ واجبًا بنفسِه، بلْ بغيرِه، وهذا بيِّنٌ ظاهرٌ.
فهذهِ الحُجّةُ نظيرُ حُجَّتِهم سواءً بسواءٍ، بل هيَ أبيَنُ وأتمُّ، وإذا كانَتْ هذهِ الحُجّةُ مستلزِمةً لنفيِ أنْ يكونَ في الوجودِ ما هوَ واجبٌ بنفسِهِ وما هوَ ممكنٌ، وثبوتُ هذينِ النَّوعينِ معلومٌ لا ريبَ فيه، علمَ أنَّ هذهِ الحُجّةَ