كاتبًا، وهذا فقيهًا، ولا يجوزُ أنْ يكونَ ذلكَ لازمًا لها؛ لأنَّ الطَّبيعةَ الواحدةَ لا توجِبُ أمورًا مختلفةً، وإذا كانَ ما اختلفَتْ فيهِ عارضًا لها فيكونُ لهُ سببٌ غيرُ سببِ الماهيّةِ التي اتَّفَقا فيها؛ وأمثالَ هذا الكلامِ يرجعُ حاصلُهُ عندَ التَّحقيقِ إلى تلبيسٍ وتمويهٍ، فإنْ جعلتموهُ جِنسًا كالحيوانِ وقلتُم: إنَّه أنواعُهُ، كالإنسانِ والفرَدس، يتَّفقُ في أمرِ لازمٍ كالحيوانيَّة، أو عارضٍ كالغذاءِ والحرَكة، أو ما فيهِ مِنَ التَّلبيسِ هنا، أنَّ هذا المستدلَّ لم يفرِّقْ بينَ العرَضِ اللَّازمِ للماهيّةِ أو لوجودِها، وبينَ العارضِ الذي يجوزُ أنْ يفارقَها؛ فإنَّهُ قد علمَ أنَّ مِنِ اصطلاحِهم المشهورِ في منطقِهم اليُونانيِّ أنْ يفرِّقوا بينَ الذّاتيِّ وبينَ العَرَضيِّ اللّازمِ للماهيّةِ واللّازمِ لوجودِها، وقدَّمْنا فسادَ فرقِهم في غيرِ هذا الموضع، وخاطَبْنا بهِ غيرَ واحدٍ مِنْ أعيانِهم، وأمهلتُهم مدّةً طويلةً للنَّظرِ ومراجعةِ كُتبِ أئِمَّتِهم، ومراجعةِ بعضِهم بعضًا، وتبيَّنَ مع هذا أنَّ ما يذكرونَهُ مِنَ الفرقِ لا حقيقةَ لهُ إلّا مجرَّد الاصطلاحِ الوضعيِّ التَّحكُّميِّ الذي لا يرجعُ إلى حقيقةٍ ثابتةٍ، ولا علمٍ مطابقٍ لمعلومه، ولكنَّا هنا نخاطبُهم بموجبِ اصطلاحِهم، فنقولُ: أنتُم تجعلونَ المنطقَ مثلًا لازمًا ذاتيًّا للإنسان، والضَّحكَ لازمًا عرَضيًّا، وتفرِّقونَ بذلكَ بينَ الحدِّ الذّاتيِّ الذي يذكرُ فيهِ الفَصلُ معَ الجِنسِ وبينَ الرَّسميِّ الذي يذكرُ فيهِ الخاصّةُ بدلَ الفَصل، إمّا معَ الجِنسِ وإمَّا مع العرَضِ العامّ، وتجعلونَ الكلامَ على هذهِ الكُلِّيّاتِ الخمسةِ: الجنسِ والنَّوعِ والفَصلِ والخاصّةِ والعرَضِ العامِّ مِنْ أُصولِ عِلمِكم، وتسمُّونَهُ أُمًّا، وتقولونَ: السَّوادُ للقارِ والغُراب، أو الظِّلُّ للفرَسِ عندَ طلوعِ الشَّمس، ونحوُ ذلكَ لازمٌ للوجود، لا للماهيّة، وكلاهما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015