وهذا الكُلِّيُّ لازمٌ لهذهِ الكُلِّيّات، مع أنَّ التَّحقيقَ أنَّ الجِنسَ بشرطِ كونهِ أعمَّ مِنَ النَّوعِ ليسَ بلازمٍ لوجودِ النَّوع، وإنَّما يلزمُهُ وجودُ الجِنسِ المطلَق، وهوَ الذي لا يجبُ أنْ يكونَ أعمَّ مِنَ النَّوع، كما يلزمُ النَّوع الجِنسَ للشَّخص، وهذا اللّازم هوَ المطلَقُ، لا بشرطِ الإطلاق، وهوَ الذي يُقالُ فيهِ: حصّةُ الشَّخصِ مِنَ النَّوعِ وحصّةُ النَّوعِ مِنَ الجِنس، فوجودُ المعيَّنِ يَستلزِمُ وجودَ حصّةٍ مِنَ المطلَق، وهوَ المطلَقُ لا بشرطِ إطلاقِه، لا وجودَ ما هوَ أعمُّ منهُ.
وأمّا الأنواعُ الموجودةُ في الخارجِ فهيَ أشخاصٌ معيَّنةٌ لا يلزمُها جنسٌ مطلَقٌ أعمُّ منها، بَلْ ولا نوعٌ أعمُّ منها؛ إذِ الجِنسُ المطلَقُ والنَّوعُ المطلَقُ بشرطِ الإطلاقِ محلُّهُ الذِّهنُ، فلا يلزمُ مِنْ ثبوتِ المعيناتِ في الخارجِ ثبوتُ كُلِّيّاتٍ قائمةٍ بنفسِ عالمٍ، وإنَّما يلزمُ مِنْ وجودِ الشَّخصِ وجودُ مطلَقِ النَّوعِ والجِنس، لا بشرطِ الإطلاق، وذلكَ النَّوعُ والجِنسُ في الخارجِ لا يزيدُ على المعين، وإنْ كانتِ الأشياءُ معلومةً لله، وقد علمَ منها ما شاءَ لخلقِه، فعلمُهُ سبحانَهُ وتعالى مِنْ لوازمِ ذاتِه، ليسَ مِنْ لوازمِ المعلومات، فهوَ عالمٌ بالأشياءِ قبلَ أنْ تُخلقَ، ونفسُ وجودِها دالٌّ على علمِهِ سبحانَهُ وتعالى، ومستلزمٌ لعلمِهِ مِنْ جهةِ كونها مخلوقةً لهُ صادرةً عَنْ إرادتِهِ المستلزمةِ لتصوُّرِ المرادات، ومِنْ غيرِ ذلكَ مِنَ الجهاتِ؛ كما قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]، لكِنْ هَبْ أنَّ وجودَ المعينات يَستلزمُ العِلمَ بها مِنْ هذا الوجه، لكِنَّ هذا اللُّزومَ لم ينشأ عنها ولا يلزمُ أيضًا مِنْ وجودِها أنْ تكونَ كُلِّيّةً، فحاصلُهُ أنَّ وجودَ الشَّخصِ أو النَّوعِ لا يستلزمُ وجودَ ما هوَ أعمُّ منهُ، ولكِنْ إذا وُجِدَ الشَّخصُ كالإنسانِ لزمَ وجودُ الإنسانِ المطلَقِ لا بشرطِ الإطلاقِ لا يستلزمُ وجودَ إنسانٍ أعمَّ مِنْ هذا الإنسانِ.