فيُقالُ: الجوابُ عَنْ هذهِ الحُجَّةِ مِنْ وجوهٍ كثيرةٍ، لكِنَّ المُستدِل بها قدَّمَ لنفسِهِ مقدِّمتينِ قبلَ الاحتجاجِ بها، ونحنُ نتكلَّمُ على مُقدِّمتيهِ أوَّلًا، ليكونَ الجوابُ مطابقًا للحُجّةِ؛ قيامًا بالقِسط، واتِّباعًا للحَقّ، فنَتكلَّمُ على المقدِّمةِ الأُولى أوَّلًا لنكونَ قدِ ابتدَأْنا الكلامَ على ما وضعَهُ في أوَّلِ الحُجَّة، مَع أنَّ عليهِ مؤاخذاتٍ تتعلَّقُ بصورةِ الحُجّةِ لا بمادتها؛ فلِهذا نؤخِّرُ الكلامَ عليها.
فنقولُ: قولُهُ: الأشياءُ التي تختلفُ بأعيانِها وتتَّفقُ في أمرٍ مقوِّمٍ لها، إمّا أنْ يكونَ ما بهِ الاتِّفاقُ لازمًا لِما بهِ الاختلافُ، أو بالعكس، أَو عارضًا لهُ أو بالعكس، فإنَّهُ يُقالُ: الأشياءُ الموجودةُ سواءٌ كانَتْ متماثلةً أو مختلفةً، وبينَها قَدرٌ مشترَكٌ كأعيانِ النَّوع، وأنواعِ الجِنس، ونحوِ ذلكَ، كإنسانَين، والإنسانِ والفَرس، والحبَّتين، والدِّرهمَين، ونحوِ ذلكَ ممّا يُقالُ: إنَّ بينَهما أمرًا اتَّفَقا فيه، وأمرًا اختلَفا فيه، كما إذا قيلَ: الإنسانانِ يتَّفقانِ في الإنسانيّة، ويمتازُ أحدُهُما عَنِ الآخرِ بِتَعَيُّنِهِ وبتَشَخُّصِه، أو قيلَ: إنَّ واجبَي الوجودِ يشتركانِ في وجودِ الوجود، ويمتازُ أحدُهما عَنِ الآخرِ بِتَعَيُّنِه، وأمثالُ هذهِ الأُمور، فإنَّهُ يُقالُ: ليسَ المرادُ باتِّفاقِهما في القَدرِ المشترَكِ كالإنسانيّةِ مَثلًا أنَّهُ في الخارجِ شيءٌ موجودٌ بعَينِه، هُما مشتركانِ فيه، فإنَّ هذا لا يقولُهُ عاقلٌ.
وهُم يَعلمونَ أنَّ هذا باطلٌ، وأنَّ الكُلِّيّاتِ الخمسةَ: الجِنسَ والنَّوعَ والفَصْلَ والخاصَّةَ والعَرَضَ العامَّ، لا يوجدُ في الخارجِ كُلِّيّةً مطلقةً بشرطِ الإطلاق، فليسَ في الخارجِ حيوانٌ مشترَكٌ كُلِّيٌّ مطلَقٌ بشرطِ