وإنِ اتَّفَقا في الوجودِ والوجوب، وعرَضَ لهما أمرٌ آخرُ فعلتهُ إمّا أنْ تكونَ داخلَهُ أو خارجَهُ أو لا داخلَهُ ولا خارجَهُ، فإنْ كانَتْ داخلَهُ فيكونُ لازمًا لوجودِ عِلَّتِه، والفرضُ أنَّهُ مفارِقٌ، وإنْ كانَ خارجًا، فيكونُ واجبُ الوجودِ مفتقِرًا إلى الغير، وهوَ مُحالٌ؛ وإنْ لم يكُنْ لا داخلَهُ ولا خارجَهُ، فلا ثبوتَ لِعلَّتِه، فلا يثبتُ، فعلى تقديرِ أنْ يكونَا واجبي (?) الوجود، يلزمُ المحالاتُ المذكورةُ، والمحالاتُ غيرُ لازمةٍ، فيَنتفي الملزومُ، وهوَ أنْ يكونا واجبي (?) وجودٍ، فلا واجبَي وجودٍ؟
أجابَ: الحمدُ لله رَبِّ العالَمينَ، بَل توحيدُ الفلاسفةِ هوَ في الحقيقةِ تعطيلُ الواجبِ الوجودِ؛ فإنَّهم أثبَتوا واجبَ الوجود، ونَفَوْا لوازمَهُ، ونَفيُ اللَّوازمِ يَقتضي نَفْيَ الملزوم، والحجَجُ التي يَذكرونَها على توحيدِهم سُوفسطائيّةٌ لا بُرهانيّةٌ، ومَقصودُهم بما يَزعمونَهُ مِنْ نفيِ التَّركيبِ والتَّعدُّدِ فيما يدخُلُ في مُسمَّى واجبِ الوجود، إنَّما هوَ تعطيلُ الصِّفاتِ والمعاني المستلزِمةِ لِتَعطيلِ ذاتِ واجبِ الوُجود، وإنْ كانوا هُم لا يَعلمونَ ما في كلامِهم مِنَ التَّناقُضِ والبُطلانِ.
ونحنُ نتكلَّمُ على هذهِ الحُجّةِ المذكورةِ في السُّؤال، ولا حَوْلَ ولا قُوّةَ إلّا بالله.
فنقولُ: قَولُهم: لو كانَ لنا واجبا وجودٍ، فلا يَخلو إمّا أنْ يمتازَ أحدُهُما عَنِ الآخر، وإمّا ألَّا يمتازَ، وإذا امتازَ فإمّا أنْ يكونَ ما يتَّفقُ فيهِ لازمًا مِنْ لوازمِ ما يختلفُ فيه، أو بالعكسِ أو عارضًا أو بالعكسِ.