ابن الزملكاني، والأصول على الشيخ شمس الدين الأصبهاني، وأخذ اللغة عن الشيخ أثير الدين: سمع عليه (الفصيح) ، و (الأشعار الستة) ، و (الدريدية) ، وأكثر (ديوان أبي تمام) ، وغير ذلك، وسمع بدمشق من الحجار وست الوزراء وابن أبي الفتح، ورحل إلى بلاد كثيرة طلبا للعلم، فسمع في الحجاز ومصر والإسكندرية وبلاد الشام، وأجاز له جماعة.
شغل أعمالا كثيرة وتقلب في وظائف الدولة، فباشر كتابة السير للسلطان الناصر محمد بن قلاوون بالقاهرة، نيابة عن والده محيي الدين الذي ولي كتابة سر دمشق، ثم لما ولي والده كتابة السر بمصر أيضا، صار هو يقرأ البريد على الملك الناصر محمد بن قلاوون، وينفذ المهمات، واستمر كذلك في ولاية والده الأولى والثانية، ثم إنه فاجأ السلطان بكلام غليظ، فقد كان قوي النفس، وأخلاقه شرسة، فتغير عليه السلطان فأبعده، وصادره وسجنه بالقلعة سنة ثمان وثلاثين وسبع مائة، ثم ولي كتابة السر بدمشق، وعزل ورسم عليه أربعة أشهر، وطلب إلى مصر، فشفع فيه أخوه علاء الدين، فعاد إلى دمشق، واستمر بطّالا من أعمال الدولة، ولكنه انصرف إلى التأليف والتصنيف إلى أن مات.
انتهت إليه رياسة الإنشاء، وكان يشبه القاضي الفاضل في زمانه، كان حسن المحاضرة والمذاكرة، سريع الاستحضار، جيد الحفظ، فصيح اللسان، جميل الأخلاق، يحب العلماء والفقراء، يقول الصفدي: (رزقه الله أربعة أشياء، لم أرها في غيره، وهي: الحافظة، قلّما طالع شيئا إلا وكان مستحضرا لأكثره، والذاكرة التي إذا أراد ذكرى شىء من زمن متقدم كان ذلك حاضرا، كأنه مرّ به بالأمس، والذكاء الذي تسلط به على ما أراد، وحسن القريحة في النظم والنثر،