وكأن صواف الطير المبيضة بتلك الملق، خيام أو ظباء بأعلى الرقمتين قيام، أو أباريق فضة رؤوسها لها فدام، ومناقيرها المحمرة أوائل ما انسكب من المدام، وكأن رقابها رماح أسنتها من ذهب، أو شموع أسود رؤوسها ما انطفأ، وأحمره ما التهب، وكنا كالطير الجليل عده، وكطراز العمر الأول جده: [الكامل]

من كل أبلج كالنسيم لطافة ... عف الضمير مهذب الأخلاق

مثل البدور ملاحة وكعمرها ... عددا ومثل الشمس في الإشراق

ومعهم قسي كالغصون في لطافتها ولينها، والأهلة في نحافتها وتكوينها، والأزاهر في ترافتها وتلوينها؛ بطونها مدبجة، ومتونها مدرجة، كأنها الشولة «1»

في انعطافها، أو أرواق الظباء «2» في التفافها، لأوتارها عند القوادم أوتار، ولبنادقها في الحواصل أوكار، إذا انتصبت لطير ذهب من الحياة نصيبه، وإن ينصب لرمي بدت لها أنه أحق بها من نصيبه، ولعل ذاك الصوت زجر لبندقها أن يبطئ في سيره، أو يتخطى الغرض إلى غيره، أو وحشة لمفارقة أفلاذ كبدها، أو أسفا لخروج بنيها عن يدها، على أنها طالما نبذت بنيها بالعراء، وشفعت لخصمها التحذير بالإغراء: [البسيط]

مثل العقارب أذنابا معقدة ... لمن تأملها أو حقق النظرا

إن مدها قمر منهم وعاينه ... مسافر الطير فيها وانبرى سفرا

فهو المسيء اختيارا إذ نوى سفرا ... وقد رأى طالعا في العقرب القمرا

ومن البنادق كرات متفقة السرد، متحدة العكس والطرد، كأنها خلطت من المندل الرطب، أو عجنت من العنبر الورد، تسري كالشهب في الظلام، وتسبق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015