أن نصير من ورائهم، فاغتنم العدو تلك الغفلة التي ساقها المهلكان العجب والطمع، وانتهز فرصة الكرة التي أعانه عليها المطمعان إبداء الهلع وتخلية ما جمع، فانتثر من جمعنا بعض ذلك العقد المنتظم، وانتقض من حزبنا ركن ذلك الصف الذي أخذ فيه الزحام بالكظم، وثبت الخادم في طائفة من ذوي القوة في يقينهم، وأرباب البصائر في دينهم، فكسرنا جفون السيوف، وحطمنا صدور الرماح في صدور الصفوف، وأرينا تلك الألوف كيف تعد الآحاد بالألوف، وحلنا بين العدو وبين أصحابنا بضرب يكف أطماعهم، ويرد سراعهم، ويعمي ويصم عن الآثار والأخبار أبصارهم وأسماعهم، إلى أن نفسنا للمنهزم عن خناقه، وأيأسنا طالبه من لحاقه، ورددناه عنه خائبا بعد أن كانت يده متعلقة بأطواقه، وأحجم العدو مع ما يرى من قلتنا عن الإقدام علينا، ورأى منّا جدّا كاد لولا كثرة جمعه يستسلم به إلينا، وعادوا ولنا في قلوبهم رعب يبيتهم وهم الغالبون، ويدركهم وهم الطالبون، ويسلبهم رداء الأمن وهم السالبون؛ وقد لمّ الخادم شعث رجاله، وضم فرقهم بذخائر ماله، وأمدهم بنفقات حلت أحوالهم، وأطلقت في طلب عدوهم أقوالهم، وسلاح جدد استطاعتهم، وأعان شجاعتهم، وخيول تكاد تسابقهم إلى طلب عدوهم، وتحضهم على أخذ حظهم من اللقاء، كأنها تساهمهم في أجر رواحهم وغدوهم، وقد نضوا رداء الإعجاب عن أكتافهم، واعتصموا بعون الله وتأييده لا بقوة جلدهم، ولا بحدة أسيافهم، وسيعجلون العدو إن شاء الله عن اندمال جراحه، ويتعجلون إليه بجيوش تسوؤه طلائعها في مسائه، وتصبحه كتائبها في صباحه، والله تعالى لا يكلنا إلى جلدنا، ولا ينزع أعنة نصره من يدنا.
ومنه قوله مما كتبه على لسان مولود إلى أبيه، ولم يكتب به:
يقبل الأرض ابتداء بالخدمة من حين ظهر إلى الوجود، وتشوقا إلى امتطاء