فأصبحت معدة لقتاله، فنجا منجى الحارث بن هشام «1» ، وآب بسلامة أعذب منها- لو عقل- شرب كأس الحمام، واتسم بين أوليائه وأعدائه بسيمة الفرار، وكان يقال: النار ولا العار، فجمع له فراره من الزحف بين النار والعار، وعاد بجمع موفور من الجراح، موقر من الإثم والاجتراح، لا علم بما جرى عند أسيافهم، ولا شاهد بمشاهدتهم الوغى غير مواقع الظبا في أكتافهم، فبأي جنان يطمع في معاودة عدوه، وهذا قلبه وهؤلاء حزبه؟
وذلك القتال قتاله، وذلك الحرب حبه؟ وبعد، كان له حمية يتطهر آثارها، أو أريحية فيشب نارها، أو أنفة فستحمله على غسل هذه الدنية، وتبعثه على طلب غايتين، إما شهادة مريحة أو [عيشة] هنية؛ والله تعالى يوقظ عزمه من سنته، ويعجل له الانتصاف من عدوه قبل إكمال سنته.
ومنه قوله:
فكم مل ضوء الصبح مما يغيره، وظلام النقع مما يثيره، وحديد الهند مما يلاطمه، والأجل منا يسابقه إلى قبض الأرواح ويزاحمه.
ومنه قوله:
وكفى السيوف فخرا أنها للجنة ظلال، وإلى النصر مآل، وإذا كان من بيان الحديث سحر، فإن بيان حديثها عمن كلمته هو السحر الحلال.
ومن قوله في قريب من معناه:
حسب ألسنته الأسنة شرفا، أن كشف خبايا القلوب يذم إلا منها، وأن بث