يلعن بعضهم بعضا، فصاروا إلى قلب المجلس وصدره، حتّى ردّ كيدهم في نحرهم، وأقيموا بالنّعال إلى صفّ النّعال؛ فقلت لمن حضر: من هؤلاء؟ فقالوا:
أصحاب الخوارزميّ.
فلمّا أخذ المجلس زخرفه ممّن حضر، وانتظر أبو بكر فتأخّر، اقترحوا عليّ قواف أثبتوها، واقتراحات كانوا بيّتوها «1» : [الهزج]
فما ظنّك بالحلفا ... ء أدنيت لها النّارا
من لفظ إلى المعنى نسقته، وبيت إلى القافية سقته، على ريق لم أبلعه، ونفس لم أقطعه؛ وصار الحاضرون بين إعجاب بما أوردت، وتعجّب مما أنشدت، وقال أحدهم، بل واحدهم، وهو الإمام أبو الطيب: لن نؤمن لك حتى نقترح القوافي، ونعيّن المعاني، وننصّ على بحر؛ فإن قلت حينئذ على الرّويّ الذي أسومه، وذكرت المعنى الذي أرومه، وأنت حيّ القلب كما عهدناك، منشرح الصّدر كما شاهدناك، شجاع الطّبع كما وجدناك؛ شهدنا أنّك قد أحسنت، وأن لا فتى إلّا أنت.
فما خرجت من عهدة هذا التكليف حتّى ارتفعت الأصوات بالهيللة من جانب، والحوقلة من آخر، وتعجّبوا إذ أرتهم الأيام ما لم ترهم الأحلام، وجادلهم العيان بما بخل به السماع، وأنجزهم الفهم ما أخلفهم الوهم؛ ثم التفتّ فوجدت الأعناق تلتفت، وما شعرت إلا بهذا الفاضل وقد طلع في شملته، وهبّ بجملته، بأوداج ما يسعها الزرّان، وعينين في رأسه تزرّان، ومشى إلى فوق رقاب النّاس، وجعل يدسّ نفسه بين الصّدور يريد الصّدر، وقد أخذ المجلس أهله؛ فقلت: يا أبا بكر، تزحزح عن الصّدر قليلا إلى مقابلة أخيك؛ فقال: لست بربّ الدار، فتأمر على الزّوار؛ فقلت: يا عافاك الله، حضرت لتناظرني، والمناظرة