وأواقفك عليها، واحفظ عليّ أنفاسي وواقفني عليها؛ فإن عجزت عن اعتلاقها حفظتها لك، فسلني عنها بعد ذلك؛ وأخذنا بيت أبي الطيّب المتنبي «1» : [المنسرح]
أهلا بدار سباك أغيدها ... أبعد ما بان عنك خرّدها
فقلت «2» : [المنسرح]
يا نعمة لا تزال تجحدها ... ومنة لا تزال تكندها
فأخذ بمخنّق البيت قبل تمامه، ومضيق الشّعر قبل نظامه، فقال: [ما] معنى تكندها؟ فقلت: يا هذا، كند النعمة: كفرها؛ فرفع يديه ورأسه، وقال: معاذ الله أن يكون كند بمعنى جحد، وإنما الكنود: القليل الخير؛ فأقبلت الجماعة عليه يوسعونه بريا وفريا، ويتلون له قول الله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ
«3» .
فقلت: أليس الشّرط أملك؟ والعهد بيننا أن تسكت ونسكت حتّى نتم وتتمّ؟
ثم نبحث ونفحص؟ فنبذ الأدب وراء ظهره، وصار إلى السّخف يكيلنا بصاعه ومدّه، وينفض فيه حمة جهده، وأفضى إلى السفه يغرف علينا غرفا، ويستقي من جرفه جرفا؛ فقلت له: يا هذا، إنّ الأدب غير سوء الأدب، وللمناظرة حضرنا لا للمنافرة؛ فإن نقضت عن هذا السّخف يدك، وثنيت عن هذا السّفه قصدك، وإلّا تركت مكالمتك؛ ولو كان في باب الاستخفاف شيء أبلغ من ترك الإنكار لبلغته منك؛ فأخذ يمضي على غلوائه، ويمعن في هرائه وهذائه؛ فاستندت إلى المسند، ووضعت اليد على اليد، وقلت: أستغفر الله من مكالمتك، ونفضتها قائمة معه، وسكتّ حتّى عرف الناس، وأيقن الجلّاس أني أملك من نفسي مالا