يقول السائل: هل للمعاصي والآثام التي يرتكبها الإنسان في نهار رمضان تأثير على الصيام كالغيبة والنميمة والكذب ونحوها؟
الجواب: يقول الله سبحانه وتعالى:" يا أيها الذين أمنو كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقوم" "ولعل" في لغة العرب تفيد الترجي فالذي يرجى من الصوم تحقق التقوى أي أن الصوم سبب من أسباب التقوى.
وبناء على ذلك فليس الصوم هو مجرد الإمتناع عن المفطرات الثلاث الطعام والشراب والشهوة فحسب بل لا بد من صوم الجوارح أيضاً، فاليد لا بد أن تكف عن أذى الناس، والعين لا بد من صوم الجوارح أيضاً، فاليد لا بد أن تكف عن أذى الناس، والعين لا بد أن تكف عن النظر الى المحرمات، والأذن لا بد أن تكف عن السماع للمحرمات، واللسان لا بد أن يكف عن المحرمات كالغيبة والنميمة والكذب ونحوها، والرجل لا بد أن تكف عن المحرمات فلا تمشي الى ما حرم الله.
إن الصائم مأمور بتقوى الله عز وجل وهي امتثال ما أمر الله واجتناب ما نهى الله عنه وهذه طائفة عطرة من أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تشير الى هذه المعاني:
1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قال الله تعالى عز وجل كل عمل إبن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم) رواه البخاري ومسلم.
2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابة) رواه البخاري.
3 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم - (ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل إني صائم إني صائم) رواه إبن خزيمة والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وصححه الشيخ الألباني.
4 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ورب قائم ليس له من قيامه الى السهر) رواه النسائي وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم وقال صحيح على شرط البخاري وصححه الشيخ الألباني.
فهذه الأحاديث وغيرها يؤخذ منها أن الصوم لا يقصد به مجرد الإمتناع عن الطعام والشراب، بل لا بد من صوم الجوارح عن المعاصي، فعلى الصائم أن يتجنب كل المحرمات وليتزم بكل ما أمر الله سبحانه وتعالى به حتى تتحقق فيه معاني الصوم الحقيقية، وإن لم يفعل ذلك فإنه لا ينتفع بصومه ويكون نصيبه من صومه مجرد الجوع والعطش، والعياذ بالله، كما أشار الى ذلك الحديث الأخير، وله رواية أخرى وهي (رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورب قائم حظه من قيامه السهر) وهي رواية صحيحة.
فالأصل في المسلم الإلتزام بشرع الله كاملاً وأن يأتي بالعبادات كما أرادها الله سبحانه وتعالى؛ بأن تكون هذه العبادات محققة لثمارها الإيجابية في سلوك المسلم وحياته، وأما إن كانت الصلاة مجرد حركات خالية من روحها والصوم مجرد جوع وعطش، والزكاة للرياء والسمعة والحج للشهرة واللقب فقد خاب المسلم وخسر وحبط عمله وكان من المفلسين يوم القيامة كما قال - صلى الله عليه وسلم - (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فيمنا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي عنه ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) رواه مسلم وابن حيان والترمذي والبيهقي وأحمد، وبناء على كل ما تقدم نرى أن المعاصي والآثام لها تأثير واضح في الصيام فهي تفسد المعنى الحقيق للصيام ولكنها لا تعد من المفطرات.