هذه أمثلة تبين الأسباب الشرعية والأسباب الكونية، فمن الأسباب الشرعية: استعمال العسل في التداوي به والاستشفاء، والله جل وعلا قال: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل:69] فهذا سبب شرعي صحيح، وكذلك ماء زمزم من الأسباب الشرعية، فرجل عنده ثقب في المعدة وشرب ماء زمزم فشفي، وامرأة كانت مريضة جداً فقيل لها: اشربي ماء زمزم، ولكن اعتقدي في ربك بأنه هو المسبب وأن ماء زمزم سبب في شفائك، فاعتقدت في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ماء زمزم لما شرب له) وأروع ما يضرب في ذلك مثلاً الذهبي فقد كان له زمزمية كان يشرب فيها ماء زمزم، وكان الحافظ ابن حجر يرى أن قوة حفظ الذهبي من ذلك، فقال: تذكرت حفظ الذهبي وشربه لماء زمزم، فقلت: أشرب ماء زمزم حتى أصل إلى ما وصل إليه الذهبي في الحفظ، قال: فما زلت أشرب ماء زمزم وأدعو الله أن أصل إلى حفظ الذهبي حتى تعديت حفظ الذهبي، فقد كان الحافظ ابن حجر آية في الحفظ، كان يجلس ويملي من حفظه وحين ينتهي تقوم زوجته وتملي من حفظها، فشربه لماء زمزم سبب شرعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ماء زمزم لما شرب له).
فالله سبحانه وتعالى ربط النتائج بهذه الأسباب.
أما الأسباب الكونية فهذا ظاهر في الأدوية التجريبية التي لا نعاتب عليه شرعاً، ومنها: (البندول) (فالبندول) سبب كوني، فقد جربه العلماء والأطباء فوجدوا أنه علاج للصداع، فهذا يُعَدُّ سبباً كونياً بالتجريب، فإن الله جل في علاه جعل الشفاء مع استخدام هذا (البندول)، لكن لو جاء رجل إلى رجل آخر مريض بالصداع فقال له: عندي لك دواء من أفضل الأدوية، فقال: ما هو؟ قال: أن تربط الصوفة على رأسك ليلاً فإن هذا الصداع سيذهب، فقال له المريض: متأكد؟ قال: نعم، فأخذ المريض الرباط وربطه على رأسه، فجاء الفقيه -المعتقد في ربه اعتقاداً صحيحاً، الذي تعلم علم التوحيد وعمل به ثم علمه للناس- إلى المريض فقال: لماذا تربط هذه الصوفة قال: عندي صداع، قال: هل تعتقد أن هذه الصوفة تشفي؟ قال: لا والله، فقال الفقيه: الحمد لله قد خرجت من الشرك الأكبر؛ لأنك اعتقدت أن الشافي هو الله، واعتقدت أن هذه الصوفة سبب في الشفاء، لكن لو ذهبنا إلى الطبيب وقلنا له: يا طبيب هل هذه الصوفة قد جربتها في المرضى وشفوا بها؟ قال: لا، والله ما رأينا ذلك في الطب، ثم ذهبنا إلى العجائز وسألناهن: هل جربتن هذه الصوفة فوجدتن فيها شفاء؟ قُلْنَ: لا ما وجدنا فيها شفاء، فقال الفقيه: إذاًً: أنت وقعت في الشرك الأصغر؛ لأنك اتخذت سبباً لم يشرعه الله سبباً لا شرعاً ولا كوناً، فقال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21].
إذاً: من اعتقد اعتقاداً جازماً صحيحاً في ربه أنه النافع والضار واتخذ سبباً لم يشأ الله أن يجعله سبباً، فقد وقع في الشرك الأصغر.