والتطير له حكمان، الحكم الأول: شرك أصغر، والحكم الثاني: شرك أكبر، فالتشاؤم شركان: شرك أكبر، وشرك أصغر، أما الشرك الأصغر بالنسبة للتشاؤم فهو منبثق من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الطيرة شرك) ثم أكد ذلك فقال: (الطيرة شرك الطيرة شرك الطيرة شرك) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من ردته الطيرة فقد أشرك) فهذا تصريح بالشرك.
والأصل في التشاؤم أنه من الشرك الأصغر حتى تأتي القرائن التي تثبت أنه من الشرك الأكبر؛ لأن الأحاديث التي صرحت بأن التشاؤم من الشرك كلها ذكرت الشرك نكرة، ولم تذكره معرفاً وقد قعدت في هذا المجلس في أكثر من موضع وبيَّنت أن الشرك أو الكفر إذا ذكر في الحديث أو ذكر في الآية نكرة دل على الشرك الأصغر، وإذا ذكر معرفاً دل على الشرك الأكبر، فمن أمثلة الشرك الأكبر والشرك الأصغر: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثنتان في أمتي هما بهم كفر ومنها: النياحة على الميت) فقوله هنا: (كفر) نكرة والنكرة تدل على أنه من الشرك والكفر الأصغر، وهو الكفر العملي لا الكفر الاعتقادي، يعني: لا يخرج صاحبه من الملة، والدليل على أن النياحة على الميت أو لطم الخدود أو شق الجيوب لا يخرج من الملة الاستقراء والإجماع، أما بالنسبة للتعريف فهناك فرق، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بين المرء وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة) وهنا يظهر أن ترك الصلاة كفر أكبر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره في الحديث معرفاً، ففرق بين المعرف وبين النكرة.
إذاً: فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الطيرة شرك) هناك دلالات تدل على أنها شرك أصغر: الأولى: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره نكرة ولم يذكره معرفاً.
الحالة الثانية: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل له كفارة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا سئل عن الطيرة، قال: (الطيرة شرك، ثم قال: وأحسنها الفأل، قالوا: يا رسول الله فما كفارة ذلك؟) فجعل لها كفارة عليه الصلاة والسلام، والقاعدة عند العلماء في التفريق بين الكفر الأكبر والكفر الأصغر الكفارة، فإن كان له كفارة فهو من الكفر الأصغر والشرك الأصغر، وإن لم يكن له كفارة إلا التوبة فهو من الكفر الأكبر والشرك الأكبر، دلالة ذلك الحلف بغير الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد أشرك) وهذا شرك أصغر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل له كفارة، قال: (من أقسم باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله) فجعل له كفارة، فالذي له كفارة يدل على أنه كفر أصغر، (فقالوا: يا رسول الله! فما كفارة ذلك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قولوا: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يذهب بالسيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك) فجعل للمتطير كفارة وهذا يدل على أنه شرك أصغر.
فمن تطير أو تشاءم أو رأى رجلاً وقال: إن هذا الرجل شؤم، فلن أذهب إلى العمل اليوم، فإن كفارته وعلاجه أن يقول: (اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يذهب بالسيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك) فقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم كفارة، ودل ذلك على أنه من الشرك الأصغر.
الحالة الثالثة: أنه وسيلة للشرك الأكبر وليس شركاً أكبر؛ لأنه يعتقد اعتقاداً تاماً في الله جل في علاه، فأنت لما تسأل الرجل الذي ينظر إلى عجوز ويقول: هذه المرأة العجوز ما رأيتها مرة إلا وضاع مالي، وما رأيتها مرة إلا وفشل زواجي، وما رأيتها مرة إلا وحدث كذا وكذا في العمل، فهو كلما نظر إلى هذه المرأة تشاءم منها، فهذا الرجل الذي يتشاءم من هذه المرأة لو أننا سألناه: هل المرأة تنفعك أو تضرك؟ لقال: لا والله، النافع والضار هو الله، فهذا الرجل اعتقد اعتقاداً صحيحاً في ربه، وقال: إن النافع والضار هو الله، ولا أحد يتحكم في الكون إلا الله جل في علاه لكن هذه المرأة سبب في الشؤم الذي يأتيني، فإنني كلما أراها تحدث لي المصائب.