الدليل على أن لبيداً سلط على الجوارح لا على الوحي

هناك أدلة تثبت أن لبيد لم يسلط على الوحي وإنما سلط على الجوارح، منها: قول الله تعالى {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى} [الأعلى:6] أي: سنقرئك الوحي القرآن والسنة، فلا تنسى، ولو سلطنا عليك ألف لبيد فإنه لا يؤثر في الوحي الذي يأتيك؛ لأن الله حافظ دينه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، وأيضاً قال الله تعالى {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة:16 - 18]، أي: اصبر فلن تنسى، وستبلغ ما أوحي إليك ولن يسلط عليك أحد.

وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص يوضح هذا توضيحاً جلياً، فقد كان دائما يجلس بجوار النبي صلى الله عليه وسلم ويحرص على مجلس النبي، فكان أبو هريرة يحفظ في صدره ولا يكتب بيضاء في سوداء، وكان عبد الله بن عمرو بن العاص ما من كلمة يتكلم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ويكتبها، فجاء الناس إليه فقالوا: تكتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء! فإن رسول الله بشر ينسى كما ينسى البشر، ويغضب كما يغضب البشر، فربما تكلم بكلام لم يوح إليه به، فذهب عبد الله بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصحيفة فقال: يا رسول الله! إني أكتب خلفك كل كلمة تتكلم بها فقال لي الناس: كذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اكتب والله ما يخرج إلا الحق)، يعني: الوحي من الكتاب أو السنة، فما يخرج إلا الحق الذي حفظ من كل سوء.

فهذه الأدلة الثابتة الراسخة كالجبال الرواسي تثبت أن لبيداً لم يؤثر في الوحي ولم يسلط على الوحي، لكنه سلط على البدن.

وكيف نفقه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى أنه فعل الشيء ولم يفعله؟ أقول: هذا معقول في النظر، فلو أن زيداً من الناس أراد أن يعمل في الخارج فسافر عن امرأته شهرين، وفي الشهر الثاني اشتاق إلى امرأته فاتصل بها بالتلفون وتكلم معها وتكلمت معه، فلما جاء الليل نام فرأى في منامه أنه يجامع أهله كما كان يجامع أهله في الحلال، فلما استيقظ فجراً رأى أنه يحتاج إلى الغسل فاغتسل، فهذا الرجل جامع أهله لكن ليس حقيقة، فيمكن للإنسان أن يرى أنه فعل الشيء مع أنه لم يفعله.

فإن قال قائل: إن رسول الله كان يرى ذلك في اليقظة وليس في المنام.

ف

صلى الله عليه وسلم العلم التربوي يقول: إن هناك أحلام في اليقظة، كأن يجلس الرجل مع زميله وهو يفكر فيما يريد أن يفعله، فجسمه عند زميله وعقله الباطن في مكان آخر.

وقد ذكر أن رجلاً من السلف كان فقيراً وكان يشتاق شوقاً شديداً للغنى، فقال: الغنى له أسباب، ومن الأسباب التجارة، والتجارة فيها تسعة أعشار الرزق، وأنا عندي شيء فيه سمن كثير، وهذا السمن إذا تاجرت به بعته بثلاثة دراهم، واشتريت آخر بدرهم، ثم بعته بثلاثة دراهم أخرى، حتى أكون غنياً فأتزوج، وبعد أن أتزوج أنجب ولداً، ثم بعده ولداً، ثم بعده ولداً، ثم بعد ذلك إذا كبر الولد ورأيت منه خلقاً لا يعجبني -ومعه العصا وسقاء السمن فوق رأسه- زجرته، فإن لم ينزجر ضربته بالعصا، فضرب السقاء بالعصا فوقع السمن على وجهه، فلا هو نال الغنى ولا هو أبقى سمنه.

فالمقصود أن هذه أحلام يقظة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخيل إليه أنه يأتي امرأته وهو لم يأتها، فهذه ليس فيها أي شيء، بل هي واقع نعيشه، ولا يؤثر في وحي النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما الشبهة الأخرى التي دندنوا حولها وهي: أننا لو قلنا إن رسول الله سحر لفتحنا الباب لكل أحد ليشكك في حديث رسول الله ثم يرده.

فالرد عليها هو في قول رسول الله لـ عبد الله بن عمرو: (اكتب والله ما يخرج فيه إلا الحق)، وأيضاً فإن الله قد جزم لنا جزماً لا نحيد عنه أبداً، فقال {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، والذكر هو الوحيان القرآن والسنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا إني إنما أوتيت القرآن ومثله معه) ومثله هو السنة، والدليل على أن السنة قرينة القرآن قول الله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب:34] فآيات الله هي: القرآن، والحكمة هي: السنة.

فإذا بطلت هذه الشبه ثبت لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر، وأنه لما سحر زاده الله بذلك رفعة ودرجة عنده؛ لأن أشد الناس بلاء في هذه الدنيا الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، ولا غرو ولا عجب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أكل الشاة المسمومة قبل أن تكلمه وقد مات بأثر هذه الشاة المسمومة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015