لما قال المنافقون: لم يجعل الله جل في علاه النصرة لأهل الكفر دون أهل الإسلام، قالها بعض المنافقين في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وقالها بعض المعاصرين وهو محمد إقبال وغيره، أقول: هؤلاء رد الله عليهم بقوله: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال:37] وقوله: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:3] وقوله: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا} [آل عمران:166 - 167] يعني: ليظهر الله جل في علاه في الدنيا فضيحة أو كرامة، ثم بعد ذلك الثواب الجزيل أو العقاب الشديد في الآخرة، فهذه حكمة الله البالغة.
فالعبد إذا نظر إلى ربه جل في علاه وتدبر أسماءه الحسنى وصفاته العلى علم أن الله جل في علاه لا يقدر عليه شيئاً إلا والخير كل الخير في هذا الشيء، ولقد فقه ذلك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان عمر يقول: أنا لا يهمني أصبحت على نعمة أم على بلية، إن كنت على نعمة فلها عبادة وهي الشكر، وإن كنت على بلية فلها الصبر، وفي كل خير.
وذلك لأنه يعلم أن الله ما ابتلاه إلا لحكمة بالغة فيها الخير له إن رضي واستسلم لربه جل في علاه.
وهذا عمر بن عبد العزيز كان يقول: ما أرى راحتي إلا في قدر الله.
يعني: أن سعادته في قدر الله جل في علاه، سواءً كان مسروراً أو كان حزيناً، فهو يعلم أن ما اختاره الله له أفضل مما أختاره لنفسه.
فسبحان الذي فوق السماء يدبر أمر عباده، وله في ذلك الحكم البالغة، وقد ظهرت لمن أظهرها الله له، وخفيت عمن أراد الله أن يخفيها عنه؛ ليرتفع الذي ظهرت له، وليخفض الله الذي لم تظهر له.
نسأل الله جل في علاه أن يجعلنا من الذين يتعبدون له بالاستسلام التام واليقين التام، وأن نحسن الظن به ولا نموت إلا على ذلك، ففي مسند أحمد بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء)، وفي رواية قال: (أنا عند ظن عبدي بي، فإن ظن بي خيراً فله، وإن ظن بي غير ذلك فله)، فنعوذ بالله أن نسيء الظن بالله جل في علاه، فهذه من صفات الجاهلية التي عاصرناها اليوم، نسأل الله جل في علاه أن ينحينا عنها، وألا يجعلنا نظن به ظناً سيئاً، أو نقدح في حكمته جل في علاه، ونسأل الله أن يدخلنا جميعاً الجنة.