لقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم بشرع الله جل في علاه ليبطل هذه الأقيسة، فجاء عند الطبراني بسند مقارب -أي: أن السند فيه رجلاً ضعيفاً يقارب الصحة، وياله من حديث -قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة, ثم قال: وأشدهم على هذه الأمة أقوام يقيسون بالأهواء والآراء) , أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي.
فهؤلاء الأقوام يقيسون بالأهواء والآراء, وليس عندهم شرع من دين الله جل في علاه، وقال: (يحرمون ما أحل الله، ويحلون ما حرم الله) , ومن أحل ما حرم الله فقد وقع في الإثم, قال الله تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل:116].
إذاً: فالنبي صلى الله عليه وسلم يحذر هذه الأمة من هذه الفرق التي هي كلها في النار والعياذ بالله, ويحذر أشد التحذير من فرقة تضرب الكتاب والسنة بالأهواء والآراء والعاطفة الجياشة, وهم أقوام يقيسون بالأهواء والآراء, فيحلون ما حرم الله, ويحرمون ما أحل الله, فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم هذه القياسات, ويا ليتنا ننتفع بهذه الأحاديث، ونعرف هذه القياسات الباطلة حتى نتوقاها, وذلك من باب: عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه ومن لم يعرف الشر من الخير يقع فيه.
فالأقيسة في زماننا هذا مثل الأقيسة في الأزمنة التي مضت, وهناك قوم غالوا في إثبات صفات الله جل في علاه, وهذا الغلو ما جاء إلا من القياس الباطل, فقاسوا الخالق على المخلوق, وقالوا: نحن نثبت ما أثبته الله لنفسه، نثبت له اليد والسمع والبصر, ونثبت له الرجل والقدم, لكنهم قالوا: إن يد الله كيد المخلوق, ورجْل الله كرجل المخلوق, وعين الله كعين المخلوق, غالوا في الإثبات, فأنزلوا الخالق منزلة المخلوق, عملاً بقياس أهل الجاهلية الذين قاسوا الله بخلقه في مسألة الشفاعة.