إن معنى أن الله جل في علاه هو الحكيم وله الحكمة البالغة، أي: أنه يضع الشيء في موضعه، فإن الله جل وعلا من تمام حكمته أنه يضع الصالح في مكان الصلاح، ويضع الطالح في مكان الفساد، فإن الله جل في علاه يفرق بين المختلفين ويسوي بين المتماثلين، وهذا من تمام وكمال حكمة الله جل في علاه.
والله جل في علاه له الحكمة التامة البالغة فيما يقدره سبحانه جل في علاه، فهو لم يقدر على المرء من بلايا ونوازل، ومن فرح وسرور، ومن تضييق وحزن إلا وله الحكمة البالغة سبحانه جل في علاه، فهو لا يخرج منه إلا الخير، ولا يقدر إلا الخير سبحانه جل في علاه، وما أمر أمراً إلا وفيه المصلحة الراجحة، وما نهى عن شيء إلا وفيه المفسدة الراجحة.
قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:219] أي: ما من شيء نهانا الله عن أن نقترب منه إلا وفيه المفسدة الراجحة، وما من أمر أمرنا به إلا وفيه المصلحة الراجحة.
وقال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:222] أي: من النفع أن الرجل يتمتع ويقضي شهوته مع امرأته حتى لا ينظر إلى المحرم، لكن الأذى أعظم والفساد أعظم، فلحكمة الله جل في علاه نهى أن يأتي الرجل زوجته في حيضها، وأيضاً في الدبر كما في الحديث: (اتق الحيضة والدبر).
وقال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} [البقرة:220] أي: ما من أمر يأمر الله به إلا وفيه الخير كل الخير، وما من نهي ينهى عنه الله جل في علاه إلا وفيه الشر كل الشر، والمسألة تدور على الغالب.