أقسام التبرك

القسم الأول: أن يطلب البركة من غير الله، فإذا طلب البركة من غير الله فقد أشرك بالله في الإلهية، كأن يقول: يا عبد القادر الجيلاني! بارك لي في زوجتي، أو يا بدوي! مُنّ علي بكذا، فهذا فيه صرف للعبادة لغير الله، فهذا إذا قلت له: أنت تطلب من البدوي أن يمنحك البركة، فإنه يقول: أنا أعتقد أن البركة بيد الله، لكن البدوي هذا وسيلة أتوسل به؛ لأن له مكانة وجاهاً، ولذلك أنا أطلب منه أن يكون شافعاً متوسلاً لي عند ربي فيمنّ عليّ بالبركة، فهذا يعتقد أن البركة من الله لكنه طلبها من غيره، فهو صرف عبادة ثبتت بالشرع لغير الله، فيكون شركاً في الإلهية.

القسم الثاني: أن يعتقد أن أحداً يملك البركة مع الله، كأن يذهب يجلس بجانب قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: أنا أعلم وأعتقد بأن النبي صلى الله عليه وسلم بيده البركة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم منحه الله ما لم يمنح غيره من الخلق، فيعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم يملك البركة مع الله جل في علاه، فهذا أيضاً اعتقد في غير الله ما لا يعتقد إلا في الله جل في علاه، ولا تحسبوا أنني آتي بالكلام من عندي، فهذا واقع نعيشه، فإذا ذهبت إلى العمرة فسترى ذلك، وكثير من النساء والرجال يعتقدون في النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يعتقد إلا في الله جل في علاه، وهذا النوع يعتبر شركاً في الربوبية.

القسم الثالث: أن يعتقد بأن البركة بيد الله جل في علاه، ولا يطلبها من غير الله، فهو لا يعتقد في غير الله ما لا يعتقد إلا في الله، وأيضاً لم يطلب البركة من غير الله، بل هو طلبها من الله، لكنه اتخذ سبباً لم يشرعه الله، فطلبها عند قبر البدوي، أو عند قبر عبد القادر الجيلاني، وارتقى أكثر فطلبها عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وذهب فطلبها عند جبل الطور، أو ذهب إلى غار حراء وقال: هذا المكان مبارك، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحنث فيه ويتعبد، وجاءه جبريل بالوحي فيه، فذهب يدعو هناك ويطلب البركة في هذا المكان، ويعتقد أن هذا المكان سبب في نزول البركة له.

أو يعتقد أن هذا الولي المقبور بركته تجلب البركة إذا دعا عنده، ويعتقد في بركة وجود قبر الولي أن الله يستجيب له دعاءه، أو أن الله يرفع عنه البلية، أو أن الله جل وعلا يأتيه بالنفع الذي يريده.

وهذا حكمه أنه شرك أصغر؛ فإن الله تعالى يقول: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21]، ويقول: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف:54]، إذاً: فالأمر والتشريع بيد الله، والله جل وعلا هو الذي سبب الأسباب والمسببات والمقدمات والنتائج، ونحن عباد لله فنقول: سمعنا وأطعنا لله جل في علاه، فلتعبد الله على الطريق التي ارتضاها، ولتعبد الله بما شرع؛ ولذلك فإن الله جل في علاه لما أنكر على النصارى عبادتهم -مع أنهم تعبدوا وتحنثوا لله جل في علاه- ما أنكر عليهم إلا لأنهم اتخذوا سبلاً لم يشرعها الله، قال تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد:27].

وكذلك من الأدلة: أن هذه وسيلة إلى الشرك؛ لأنه يعتقد في الولي أو في المكان ما لا يعتقد إلا في الله، فيكون وسيلة إلى الشرك الأكبر، والقاعدة عند العلماء: أن الوسائل لها أحكام المقاصد، فكل ما كان وسيلة للشرك فهو شرك، لكن لم يخرج به صاحبه من الملة؛ لأنه من الشرك الأصغر، ولا يصل إلى الشرك الأكبر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015