التبرك لغة: مأخوذ من البركة، والمتبرك هو الذي يطلب ثبوت الخير عنده أو له، كما قالوا: برك البعير، أي: ثبت في مكانه، وسميت البركة بِرْكةً لأنها تجمع فيها ماء كثير.
ويقال أيضاً: إن المتبرك يطلب الزيادة والنماء، إذ البركة زيادة الخير.
والبركة بيد الله لا بيد أحد، فيعطيها لمن يشاء ويمنعها عمن يشاء، فلا يملكها أحد غير الله ولا حتى رسول الله، ولا جبريل، ولا البدوي، ولا الحسين، فالذي يملك البركة هو الله جل في علاه، فيمنحها من يشاء ويمنعها عمن يشاء؛ ولذلك ترى أن الله جل وعلا بارك في أماكن معينة، وفي أوقات معينة، بل وفي ذوات، فإن الله بارك في ذوات الأنبياء، وبارك في ذوات الصالحين، فبارك الله في ذوات الأنبياء كما في قوله تعالى عن سيدنا عيسى عليه السلام: {آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا} [مريم:30 - 31].
وقال الله تعالى: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ} [الصافات:113]، فبارك الله على إبراهيم وعلى إسحاق وعلى ذريتهما.
وجعل الله كتابه مباركاً، وليست صفة، ولكن البركة في الكتاب بتلاوته وحفظه، وأن تعلم حروفه وتعمل بحدوده، ولا تقول: الكتاب مبارك؛ لأن لفظ المبارك لا يقال في حق الله، وإنما يقال: تبارك، والكلام صفة من صفات الله.
فلو قلنا: إن هذا الكتاب مبارك وحده بذاته، فإن وضعته في السيارة كما يفعلون بهذه التمائم، أو وضعته في السلسلة على الصدر، أو علقت الآيات على الحائط فلا ينكر عليك؛ لأن فيها بركة، لكن هذا غير صحيح؛ لأن البركة التي جعلها الله في كتابه إنما هي بالتلاوة والتدبر، وبالعمل به، وبحفظ حروفه والعمل بحدوده.
إذاً: فالله هو الذي جعل البركة وهو الذي يملك البركة، والله جل في علاه يوصف بأنه (تبارك) أي: المعظم الممجد، قال الله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان:1]، وقال جل وعلا: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا} [الفرقان:61]، وقال جل في علاه: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك:1]، فالله جل في علاه يتصف بأنه (تبارك) ولا تقل: (الله مبارك) حاشا لله، لكن إذا قلت: العبد مبارك، أو المكان هذا مقدس ومبارك فلا بأس بذلك.
إذاً: فلفظ (مبارك) للمخلوق، (وتبارك) للخالق لا يشاركه أحد في هذه الصفة كما تقول: (تباركت وتعاليت)، فالتعالي أيضاً صفة تخص الله جل في علاه، فالعلو الكامل المطلق لله جل في علاه.