إذا قلنا بأن النذر عبادة وأثبتنا ذلك بالدليل، فصرفه لله توحيد، وصرفه لغير الله شرك، كصرفه لـ علي بن أبي طالب وللحسين، والناس في ذلك على أربعة أقسام: القسم الأول: رجل يقول: نذرت لله أن أصوم شهراً إذا ولدت امرأتي ولداً.
القسم الثاني: رجل يقول: إنه نذر للبدوي أو لـ علي أو لـ فاطمة الزهراء بدفتين شمع إذا نجح الولد.
القسم الثالث: رجل نذر للحسين إذا نجح الله ولده أن يذبح ذبيحة.
هذه أقسام النذر، فتعال نطبق القاعدة في هذه الأقسام: القسم الأول: نذر لله إن ولدت امرأته ولداً أن يصوم شهراً، فهذا النذر توحيد لكن صاحبه آثم وعليه الوفاء؛ فهو آثم لأنه تجرأ على شيء وكلف نفسه أمراً قد لا يستطيعه فيعقبه نفاقاً في قلبه، أو هو مكروه -على القولين كما بينا، فهو يتردد بين الكراهة والحرمة- لكن يجب عليه الوفاء به إن ولدت امرأته ولداً، يعني: إن حدث المعلق فلا بد أن يأتي بما علق عليه.
القسم الثاني: صاحبه كافر، ولا نعني بذلك رجلاً بعينه؛ لأننا فرقنا وقلنا: تكفير العين جرأة ما بعدها جرأة، ولا يتجرأ عليه إلا جاهل جريء، لكن نحن نقول: القول كفر، والفعل كفر، لكن القائل والفاعل ليس بكافر حتى تقام عليه الحجة وتزال عنه الشبهة، ففرق بين تكفير النوع وبين تكفير العين، فهذا كفر من حيث الربوبية ومن حيث الإلهية؛ لأنه نذر لـ فاطمة الزهراء إن نجح ابنه إلخ.
إذاً: فقد اعتقد في فاطمة ما لا يعتقد إلا في الله جل في علاه، فهذا شرك وكفر بالربوبية؛ لأنه جعل فاطمة التي هي في قبرها تحيي الموتى، وتنجح البليد، وتعطي المرأة الولد فهذا شرك في الربوبية، وأيضًا هو شرك في الألوهية؛ لأنه صرف عبادة لغير الله.
القسم الثالث: كفر وشرك أيضاً؛ لأنه نذر للحسين إذا نجح الله ولده، فهذا الفارق بينه وبين الثاني.
ولتعلموا عظيم الخطر في هذا: فقد جلست وناقشت بعض طلبة العلم فقال: لا عذر في هذه المسائل، فقلت له: تعني أن ثلاثة أرباع المصريين كفرة خارجون من الدين، فقال: أي أحد يفعل ذلك فهو كافر؛ لأنه صرف عبادة لغير الله جل في علاه، فقلت له: لو تترك النقاش في أمور العقيدة أفضل لك، أردت أن أشدد عليه حتى لا يكفر الناس بهذه الطريقة، فنحن نقول: نعم، هم صرفوا عبادة مختصة بالله لغير الله، لكن الجهل وعدم العلم يجعلنا نعذرهم، رغم أن الشيخ ابن باز في بعض الأحيان يقول لا يعذر في أصول الإيمان أحد بجهله، لكن في فتاوى أخرى للشيخ ابن باز تبين أنه يعذر بحسب المناطق، أي: أن المنطقة التي استفاض فيها العلم لا يعذر فيها، والمناطق التي لم يستفض فيها العلم يعذر فيها بالجهل.
فنقول: هذا النذر نذر شرك، وهو شرك أكبر في الألوهية؛ لأن النذر محض عبادة، فلا يجوز بحال من الأحوال صرفها لغير الله، فمحض العبادة إذا صرفت لغير الله فهي شرك، فلو نذر للبدوي أو للحسين أو لـ علي، بل لو نذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لعيسى أو لموسى أو لنوح عليهم السلام فهذا النذر شرك في الألوهية؛ لأنها عبادة صرفها لغير الله جل في علاه، فهي شرك في الألوهية، لكن من لوازمها أن تكون شركاً في الربوبية وليس بصريح، لكن من باب اللازم؛ تفريقاً بين النذر وبين اليمين؛ لأن بعض النذر ينزل منزلة اليمين، وهو نذر اللجاج.
ولقائل أن يقول: أنتم قلتم أن النذر ينزل منزلة اليمين، فاجعلوا حكم النذر حكم اليمين، فاليمين ينقسم إلى قسمين: شرك أكبر وشرك أصغر، فلو حلف الرجل بالنبي فهذا شرك أصغر إلا أن يعتقد أن النبي يستطيع أن يعاقبه إن لم يفعل ما أقسم به، فهو يعتقد به ما يعتقد في الله جل في علاه، فيقولون: أنزلوه منزلة اليمين، قلنا: لا؛ لأن الشرك الأصغر جاءت الأدلة المفرقة بينه وبين النذر، الشرك الأصغر هو لغو لسان، يقول: والنبي، ورحمة أمه، وشرف أبيه، وتربة الذين أنجبوه، فهذا خطأ باللسان، فنقول: هذا شرك أصغر بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وأما النذر فلما ثبت بالشرع أنه عبادة، فلا شرك أصغر فيه، ولا دليل على التفريق، بل هو عبادة صرفها لله توحيد، وصرفها لغير الله شرك.
إذاً: فليحذر امرؤ يتق الله ربه، وليعلم أن العبادة المحضة لا بد أن تصرف لله جل في علاه، وأنها لو صرفت لغير الله وقع صاحبها في الشرك.