وهو قسمان: نذر مطلق، ونذر معلق مشروط.
نذر الطاعة: هو الذي ينذر فيه المرء أن يطيع الله جل في علاه.
القسم الأول: نذر مطلق، مثاله أن يقول: لله علي أن أصوم شهراً متتابعاً، أو لله علي أن أصلي مائة ركعة، أو لله علي أن أحج بيت الله نافلة -كان نافلة فأوجبه على نفسه-، فهذا نذر مطلق، وهذا يتردد بين الكراهة والحرمة، ونحن نقول: إن كان على الكراهة فهو قريب، وإن كان على الحرمة فهو قريب، والمقصود: لا نرجح طالما هو نذر، وهو يتأرجح بين الكراهة والحرمة للعلل السابقة.
القسم الثاني: نذر معلق، وهو يجري بين صاحبه وبين الله معاوضة -والعياذ بالله-، وهذا سوء أدب مع الله، فيقول: لئن شفى الله مريضي لأصومن ثلاثة أيام، وهذا إلى الحرمة أقرب منه إلى الكراهة كما رجح ذلك ابن حجر وغيره؛ لعلل: الأولى: كأن هذا العبد يعتقد بأن الله فيه بخل حاشا لله، أو أن الله لا يعطيه ما يريد حتى يقدم له الطاعة سبحانه جل في علاه، {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر:2]، فيده سحاء بالليل والنهار سبحانه جل في علاه، (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي شيئاً)، فهذا فيه سوء أدب، وكأنه يعتقد في داخله أن الله لا يعطيه ما يريد حتى يقدم له هذه الطاعة.
وهذا الاعتقاد اعتقاد جاهلي لا يجوز، ولذلك قلنا بحرمته.
العلة الثانية: أنه لا يعتقد بأن الله يكافئه -المعاوضة-، بل يعتقد أن النذر يؤثر في القضاء والقدر ويغير في المكتوب في اللوح المحفوظ، وهذا أيضًا إلى الكفر أقرب منه إلى الإيمان؛ لأن قدر الله إذا كتبه وفرغ لا يتغير، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولو اجتمعت الأمة على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف)، فانتهى الأمر، ولا مؤثر في قضاء الله جل في علاه.
ودليل نذر الطاعة حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة في الصحيح قال: (من نذر أن يطع الله فليطعه)، فهذا نذر الطاعة، وهو القسم الأول من أقسام النذر.