إنه لا يقاد من السكران بمن قتل في حال سكره؛ وإن كنا لا نقول بقوله، فمراعاته واجبة، على أصل مذهب مالك، الذي نعتقد صحته، في مراعاة الخلاف.
والواجب في بيان صحة ما قلناه في هذه المسألة بأن نذكر أصلها من الكتاب والسنة، الذي يرد إليه، ويبني الحكم فيها عليه.
والأصل فيها، بإجماع العلماء، قول الله عز وجل: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: 33]، أي: جحة، يقوم بها في أخذ حقه.
واختلف أهل العلم هل من حقه أن يعفو عن الدم على الدية، شاء القاتل، أو أبى، أم ليس ذلك له، على اختلافهم في تأويل قول الله عز وجل: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178]: هل المعفو له ولي الدم، أو القاتل؟.
(1) فمن ذهب من أهل العلم إلى أن لولي الدم أن يعفو عن القاتل، على أن يأخذ الدية منه، شاء أو أبى، يوجب انتظار بني المقتول الصغار بالقسامة، على كل حال، إلى أن يبلغوا؛ إذ لا يصح على مذهبهم أن يمكن العصبة من القسامة والقود، فيبطل بذلك حق البنين الصغار فيما لهم من أخذ الدية من القاتل شاء أو أبى بقسامتهم إذا بلغوا، قياسا على ما أجمعوا عليه في الحقوق الواجبة في غير الدماء، من ذلك الشفعة إذا وجبت للصغار بشاهد واحد، لا اختلاف في أن الشفعة لا تصير إلى من هو أحق بها منهم بعدهم لصغرهم، وإنما هم على حقهم إذا كبروا، يحلفون ويستحقون الشفعة وكذلك سائر الحقوق.