وقد تأول بعض المتأخرين على مالك، رحمه الله، من إنكاره لحديث يحيى بن سعيد: أن أول الوقت وآخره في الفضل عنده سواء، وهو تأويل بعيد؛ لأن مالكا، رحمه الله، لم ينكر حديث يحيى بن سعيد لما فيه من الدليل على أن أول الوقت أفضل من آخره، وإنما أنكره لاقتضائه العموم في ذلك، ومن مذهبه أن تأخير الصلاة في مساجد الجماعات أفضل، ليدرك الناس الصلاة، من المبادرة بها في أول أوقاتها. وقد قيل: إنه إنَّما أنكره لأنه اقتضى عنده أن المصلي يأثم بتأخير الصلاة عن أول وقتها، وهذا لا يقول به إلا أهل البدع؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما بين أول الوقت وآخره: " ما بين هذين وقت ".
وهذا التأويل على مالك إنما هو فيما عدا صلاة الصبح، وصلاة المغرب، أما صلاة الصبح فالنص الوارد عنه في ذلك أن التغليس بها أفضل، بدليل مداومة النبي صلى الله عليه وسلم، على ذلك؛ إذ لا يصح أن يداوم النبي صلى الله عليه وسلم، على التغليس بها، وهو أشق على الناس إلا لما في ذلك من زيادة الفضل، إذ لو استوى الفضل في ذلك لداوم على الأيسر على الناس، لأنه إنما بعث ميسرا، ولم يبعث معسرا، وقد قالت عائشة، رضي الله عنها، " ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أمرين إلا اختار أيسرهما - ما لم يكن إثما، فإن كان إثما، كان أبعد الناس منه ".
وأما المغرب فالإجماع فيها على أن أول الوقت أفضل، إذ قد قيل: إنه ليس لها إلا وقت واحد.